ترامب وأوباما وصراع اليمين واليسار

بقلم منير بشاى

        تواجه الولايات المتحدة فى هذه الايام حلقة جديدة من مسلسل الصراع بين اليمين واليسار.  وقد ظهر هذا مع ترشح دونالد ترامب لمنصب الرئاسة باجندة مسيحية يمينية محافظة كرد فعل للتيار الاسلامى اليسارى الذى ساد البلاد إبان فترة حكم الرئيس أوباما.

       على مدى ثمانية سنوات كان يشغل المكتب البيضاوى رجل يمثل اليسار الاشتراكى الليبرالى.  كان الرئيس باراك حسين اوباما واحدا من جيل الشباب الامريكى الثائر على الوضع التقليدى فى امريكا.  وكان خلال فترة دراسته الجامعية ينتمى الى التيار المعارض لكل ما هو امريكى.  ومن تلك المرحلة تم تداول فيديو للشاب أوباما يقف باستهتار اثناء تحية العلم الامريكى ودون ان يضع يده اليمنى فوق قلبه كما هو معتاد.  كانت افكاره امتدادا لحركة الهيبيز التى ظهرت فى ستينات القرن الماضى كرد فعل لحرب فييتنام وموت الالاف من الشباب الامريكى فى المعارك.  وهى حرب كانت بين معسكرين احدهما يمثل الرأسمالية والآخر يمثل الاشتراكية.  فنشأ اوباما بشخصية تكره الحروب وترفض الفوارق الطبقية بين الفقراء والأغنياء.

       كشاب لم يكن يحلم اوباما بانه سيصل يوما الى منصب الرئاسة الامريكية.  هذا خاصة انه ينتمى الى الاقلية النيجرو، على الاقل من ناحية التقاطيع ولون البشرة.  هذا مع انه فى الحقيقة خليط بين الابيض والاسود فأمه أمريكية ناصعة البياض وابوه افريقى فاحم السواد كان طالبا قادما من كينيا وتزوج زميلته الامريكية وكانت ثمرة ذلك الزواج اوباما الصغير.

       حاول اوباما بعد تخرجه فى القانون من احدى الجامعات العريقة ان يصنع تغييرا فى مجتمعه الضيق بدور متواضع هو وظيفة منسق اجتماعى Community Organizer  وبعد ان حقق القليل من الشعبية فى محيطه قرر الترشح ليصبح عضوا فى الكونجرس الامريكى عن منطقته.  ومن تلك النقطة لمع نجم اوباما نتيجة لما يتمتع به من ذكاء وطلاقة لسان ومقدرة غير عادية على الخطابة والتأثير على الجماهير.  ورأى قادة الحزب الديمقراطى اداءه فراهنوا عليه وتبناه بعض ذوى النفوذ فى الحزب مثل عائلة كنيدى وبالذات تيد كنيدى.

       ومن الطريف ان ينجح اوباما فى الوصول لمنصب الرئاسة بمساعدة اناس هم انفسهم حاولوا ولم ينجحوا.  وهذا يعزى الى تاييد أصوات الغالبية الساحقة للسود والتمويل السخى من بعض الدول العربية ومنها ليبيا والسعودية.  وقد اعترف القذافى بهذا التمويل وقال انه كان يهدف به هزيمة امريكا من الداخل.  اما دور السعودية فقد اعترف به اوباما بطريقة غير مباشرة عندما انحنى لملك السعودية عند مقابلته بعد تنصيبه رئيسا.

       وبالاضافة الى الاجندة الاجتماعية فلا شك ان الخلفية الدينية كانت تسيطر على تفكيره فاوباما ابن لكينى مسلم واخوه غير الشقيق (مالك) عضو فى تنظيم الاخوان المسلمين الدولي واوباما تربى فى اندونيسيا المسلمة حيث تزوجت امه للمرة الثانية من رجل اندونيسى مسلم.

       بعد رجوعه الى امريكا رأى اوباما انه لن يستطيع ان يشق طريقه مالم يعلن اعتناقه للمسيحية.  هذا مع انه قد سجلت له كتابات ينتقد فيها بعض نصوص الكتاب المقدس.  وبدأ اوباما يتردد على كنيسة للسود كانت تنادى بكراهية البيض وكراهية أمريكا كلها.  وقد تم تداول فيديو يقول فيه راعى تلك الكنيسة (القس جيرميا رايت) "لعن الله امريكا" بدلا من العبارة المعروفة "بارك الله امريكا" God bless America

          بهذه الخلفية رأينا الرئيس اوباما يعمل جاهدا على طمس الهوية المسيحية لأمريكا.  ورأيناه يذهب الى دول اسلامية ويعلن ان امريكا دولة اسلامية وفى نفس الوقت يتغافل ذكر هوية امريكا المسيحية.  وفى البيت الابيض احاط اوباما نفسه بجيش من المستشارين الاسلاميين وتوقف فى بداية ولايته عن اقامة حفل افطار الصلاة المسيحى التقليدى السنوى بينما سمح للمسلمين ان يفترشوا الميدان امام مبنى الكابيتول ويؤدوا صلاتهم.  وهو عمل استفزازى يعلن عن سيطرة الاسلاميين على الارض، لأنه لا يوجد عجز فى المساجد لمن يريد ان يصلى داخلها.  وفى تقديرى ان اوباما كان يهدف الى تحقيق ما لم ينجح فيه رئيس من قبله وهو التصالح مع الاسلاميين لوقف الارهاب عملا بالمبدأ "ان لم تستطع هزيمتهم، فصادقهم" If you can’t beat them, join them.  وهى اهداف اتفقت مع رغبة العديد من الامريكيين فى العيش الآمن.

.      ولكن هذه التغييرات فى النسيج الامريكى فى اتجاه اليسار سببت امتعاضا عند التيار الامريكى المحافظ الذى اصبح يحس انه اصبح مغلوبا على امره من جماعات أجنبية جاءت لتهدد امنه ولتمحو هويته ولتقاسمه خيرات البلد التى بدأت تشح والوظائف التى اخذت فى الانقراض.

       وعندما ظهرت هيلارى اعلنت انها تنوى الاستمرار فى نفس السياسة وكأن المجتمع الأمريكى سيعانى من ولاية ثالثة لاوباما وستستمر القوانين الاشتراكية الفاشلة مثل قانون العلاج الصحى "اوباما كير".  كما ان هيلارى كانت تعتزم التقرب من التيار المتأسلم عن طريق سكرتيرتها المقربة هوما عابدين وصلاتها بتمويل البلاد الاسلامية مثل المملكة العربية السعودية.

       هذا المناخ اوجد حالة من الغضب اخذت تزداد الى ان ظهر ترامب واستطاع ان يركب هذه المشاعر فى طريقه للبيت الابيض.  وفى المقابل فان صحوة التيار اليمينى قد اصاب التيار اليسارى بالرعب من احتمال خسارته لكل ما حققه من مكاسب بل والخوف من مجرد العيش فى امان وسط مجتمع أصبح يناصبه العداء.  ومن هنا قامت مظاهرات الاحتجاج ضد ما هو قادم.

       المعركة بين اليمين واليسار قد بدأت فى الاشتعال والخوف هو من تزايدها لتهدد السلام الاجتماعى ومعها يتم تهديد الحريات التى هى الطابع المميز لأمريكا.  وبالتالى قد يتم تهديد الرخاء الاقتصادى الذى تمتع به الأمريكيون لآماد طويلة.

       ولذلك على الرئيس ترامب الآن ان يتفادى استخدام الشعارات الملتهبة التى اتسمت بها حملته الانتخابية وفى نفس الوقت عليه ان يرسل رسائل طمأنة لجميع المواطنين بأن امريكا فيها متسع للجميع، وان محاولة انصاف الطرف المظلوم لا يعنى انه سيتحول ليصبح الطرف الظالم.

This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.

 


2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com