Print

من الفيس بوك

تعليق للاستاذ الصحفى يسرى حسين

الوحوش الضارية التي ارتكبت مذبحة صحراء المنيا ،تربت وترعرعت في حظيرة العنف على مدى سنوات ،وتم نزع نبض إنساني من قلوبها ،لذلك تذبح الأطفال بلا رحمة ولا شفقة ،اذ تلقت مبكرا دورات في علوم التوحش مغلفة بقشور دينية.
تلك السموم نمت في مجتمعنا الذي تم اختراقه وتجريف مسيرة طويلة من ثقافة وحضارة وفنون وآداب.
تيارات العنف تدربت على الوحشية على يد شيوخ الجهل والتعصب ،الذين انفتحت أمامهم المنابر الرسمية والشعبية لأعادة صياغة العقل المصري بمواد فاسدة ،على أنها بضاعة دينية إيمانية.

فتحت الدولة المصرية المهزومة في معركة عسكرية ،شاشة تلفزيونها الحكومي أمام الشيخ الشعراوي ،الذي نجح في توجيه الوجدان نحو رؤية خاصة به توجه نيرانها نحو الأقباط والتسفيه من معتقداتهم .
قاد الشعراوي حملة منظمة أطاحت بسنوات طويلة من تنوير مصري يحتفي بالعلم والفن ،ورؤية متقدمة للوازع الديني ،الذي يبني المجتمع لا الذي يدمره ، بزرع الخلافات والكراهية والتعالي على مواطنين آخرين وبث الكراهية نحوهم.
كان الشعراوي يطل من التلفزيون ،والشيخ عبد الحميد كشك من مسجد في حدائق القبة يلعن أم كلثوم وفريد الأطرش وكل الفنانين بلغة منحطة سافلة أعتاد على ترديدها دون عقاب من اجهزة الدولة.
انتشرت شرائط كشك أمام المساجد وداخل سيارات الأجرة بلغة السباب تهاجم الفنون واساتذة الجامعة وكتاب مستنيرين ووطنيين ،في ظل حملة انطلقت في عصر السادات الأسود تعيد صوغ مصر أخرى ،في توافق مع صعود موجة أصولية أيام الحرب الباردة موجهة نحو دول الكتلة الشرقية لأنها غير مؤمنة ،بينما الغرب هو من اتباع أهل الكتاب المؤمنين.
تم اعداد معسكرات في باكستان لإعداد المؤمنين لمحاربة الكفار في أفغانستان ،وتدفق على تلك المعسكرات عبر الفلسطيني عبد الله عزام الآلاف من شباب عربي ،وكان للفيلق المصري الأفغاني مساحة مهمة ،بهدف إعداد للمحاربين اشداء لدخول معركة مصر ،التي تضم الأقباط ،وهم أعداء لهذا الفكر ،الذي تجمع لخوض المعركة الأفغانية وهزيمة روسيا الكافرة بسلاح الإيمان.
تكونت على الأرض الأفغانية فصائل التطرّف المصري ،التي عادت لأرض الوطن لتكون خلايا جهادية تطبق العنف الذي تدربت علية في كهوف قندهار وغيرها من مناطق أفغانية قاحلة لا تضم لا دور سينما أو مسرح أو مدارس كما هو حال مصر.
الأفغان المصريون وعلى رأسهم أيمن الظواهري ،عملوا على تطبيق نظريات العنف بمعنى الإبادة لخصوم ما يطلقون عليه المشروع الإسلامي.
اغتيال فرج فوده يكشف منظر العنف الدامي ،اذ قتل أمام أولاده ،والذي قتله أفرج عنه محمد مرسي ،وذهب لينضم لجبهة النصرة في سوريا حيث قتلته طائرة أمريكية.
هذا القاتل تحول لآلة ذبح لإبرياء ،يقتلهم تلبية لتعاليم شريرة تم زرعها في نفس فقيرة لا تضم خلايا إنسانية ،اذ تم نزعها عبر برنامج طويل ومكثف يبرر القتل بل يعتبره فريضة دينية للمخالفين لتلك العقيدة التي يؤمنون بها.
مصر ،نتيجة هزيمة ٦٧ تراخت في حماية شعبها وفرطت في تراث عميق ضاع في ظل خطاب الشعراوي وكشك ،حتى أن أزهريا مثل سالم عبد الجليل ردد ما يقوله ياسر برهامي وكل الأشرار في الصف السلفي.
الإدارة المصرية أصابها الضعف لأنها عبر سنوات مابعد ثورة يوليو اغلقت باب الإجتهادالوطني ،وسمحت لمنافقين وجهلاء السيطرة على الساحة.
مشهد مذبحة صحراء المانيا مخيف ومرعب ،ويكشف عن وجود خطر يهددنا جميعا ،اذ لم تتكون خطة عاجلة لتجفيف ثقافة العنف المنتشرة في شوارع القاهرة وداخل سيارات الأجرة وعبر ميكروفونات الجوامع التي تدعو ليل نهار لكراهية الأقباط وفرض النقاب على المرأة.
بلادنا في خطر والسم تسلل في ظل فساد وضبابية وإيمان مزيف يدعو للقتل والإبادة.
والغريب أنه بعد مذبحة الأطفال ،لا يزال العقل المصري خاملا والضمير في حالة نوم.
إن ماحدث ابشع مما ارتكبه هتلر بحق اليهود ،وإذ تركنا برهامي يفتي وسالم عبد الجليل يتحدث قأن القادم أسوأ ،لأن الخطر في الداخل ، في تركيبة تلك العصابات الشريرة التي تقتل أطفالنا باسم الدين .