ليلة فى سجن فيلبى!

بقلم منير بشاى

       من وقت لآخر أجد نفسى قد تعبت من عالم السياسة وأحن الى عالم الروح.  واليوم أريد أن أشارك القارىء بعض الأفكار التى باركنى بها الله شخصيا من قراءتى لكلمة الله.  وهى تقص تفاصيل ما حدث للرسول بولس ورفيقه سيلا فى ليلة لا تنسى قضياها فى سجن فيلبى.

       بدأت حوادث تلك الليلة عندما كان بولس وسيلا فى طريقهما للصلاة اذ كانت جارية بها روح عرافة تتبعهما وتقول "هؤلاء الناس هم عبيد الله العلى الذين ينادون لكم بطريق الخلاص".  تضجر بولس منها وامر الروح ان يخرج فخرج فى الحال.  وهنا يبدو غريبا ان يتضجر بولس من كلام يبدو انه لم يكن فيه خطأ.  ولكن رسالة الله لا تحتاج لتأييد تلك الارواح حتى تتثبت.  كما ان قبول شهادة العرافة يخلط بين التعليم المسيحى الصحيح وما تمارسه تلك الارواح ويعطى شرعية لها.

       عندما خرج الروح أحس موالى تلك الجارية انه قد ضاع رجاء مكسبهم فأمسكوا بولس وسيلا وجروهما الى الحكام.  وحتى يستطيعوا ان يقنعوا الحكام بوجهة نظرهم اختلقوا اتهامات مثيرة تدّعى ان بولس وسيلا يبلبلان المدينة ويناديان بعوائد تتنافى مع التقليد الرومانى.  كان الاتهام كاذبا ولكنه كان كفيلا بان يثير الولاة ويجعلهم يأمرون بضرب بولس وسيلا ويسجنونهما ويوصون حافظ السجن ان يشدد الحراسة عليهما فوضعهما فى السجن الداخلى وضبط أرجلهما فى المقطرة.

       وبدا وكأن الظلم قد انتصر والحق قد ضاع.  ولكن الحق لابد ان يعلن ذاته.  ومهما حاولوا قمعه، فإنه يشق طريقه ويظهر للملا حتى وسط ظلمة الليل.  وفى تلك الليلة رأينا أكثر من زلزال ورأى ذلك رواد ذلك السجن فى تلك الليلة بما فيهم حافظ السجن الغليظ القلب.

زلزال الفرح وسط الألم

       كانت الضربات بالعصى على ظهرى بولس وسيلا موجعة وتسببت فى جروح مؤلمة.  وكانت المقطرة تضيف الى تلك الآلام.  لم يكونوا فى فندق 5 نجوم وبالتأكيد لم يغفل لهم جفن.  وهنا حدث الزلزال الأول فبدلا من ان يبكيا حظهما العاثر ويشكيان مما تعرضا له من كذب وظلم، اذا بهما يلجآن للصلاة والتسبيح لله.  يبدو ان الآلام فى ذاتها كانت سببا لشكر الله لأنهما حسبا انفسهما محظوظين ان يتألما من اجل اسم المسيح.  ولا أعلم إن كان بولس وسيلا يتمتعان بموهبة الصوت الجميل ولكن مجرد سماع مسجونين يسبحان الله فى مثل تلك الظروف كان ظاهرة غير عادية تستحق ان تسمعها.  ولذلك يسجل لنا سفر الأعمال أن "المسجونين كانوا يسمعوهما".

زلزال القوة رغم الضعف

       زلزال الفرح المعنوى تبعه زلزال حقيقى زعزع أساسات السجن فانفتحت فى الحال كل الأبواب وانفكت قيود الجميع (اعمال 16: 26).  لقد اجتاز بولس وسيلا فى ظروف صعبة.  وكان يبدو كأن الله قد نسيهم لبعض الوقت.  لقد تعرضا للكذب والظلم امام صمت السماء وكأن الله لا يرى.  كان بولس وسيلا كمن لا حول له ولا قوة.  ولكن الضعف لم يستمر طويلا ففى الوقت المناسب زمجرت الطبيعة وتزلزلت الأرض وصدر الأمر الالهى للقيود ان تفك فأطاعت.  وخرج بولس وسيلا ومعهما كل المساجين أحرارا طلقاء.

زلزال المحبة فى وجه الكراهية

       استيقظ حافظ السجن ولما رأى ما حدث ظن ان المساجين قد هربوا.  والنتيجة التى توقعها ان يساق فى الصباح الى القتل بعد ان يعانى فضيحة كبرى.  امام هذا استل سيفه وكان على وشك ان يقتل نفسه.  وعندما رأى بولس السجان مزمعا ان يقتل نفسه لم يشمت فيه ولم ينظر الى الجهة المقابلة ويبرر الأمر بأنها ارادة الله.  ولكن بولس لم يقبل ان يرى انسانا على وشك ان يموت دون ان يحاول انقاذه.  وهنا نادى بولس بصوت عظيم "لا تفعل بنفسك شيئا رديا لأننا جميعنا ههنا" (اعمال 16: 28).  لم يمر حافظ السجن فى حياته بإختبار مثل هذا ان مسجونا فى امكانه ان يهرب يترك تلك الفرصة لينقذ من الموت سجانه الذى اذاقه العذاب.  وهذا جعله يرتعد ويخر ويسجد لبولس وسيلا.  كانت هذه رسالة صامتة أدت بالرجل ان يسأل "ماذا افعل لكى أخلص؟" فأجابه بولس "آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص انت واهل بيتك"  فاعتمد هو وبيته وتهللوا اذ كانوا قد آمنوا بالله.

زلزال الكرامة فوق الحرية

       وفى الصباح تبين للحكام ان بولس وسيلا كانا ابرياء فأرسلا امرا لإطلاق سراحهما.  وهنا كنا نتوقع ان بولس وسيلا سيفرحان لصدور الأمر ويخرجان دون تردد.  ولكنهما رفضا الحرية مطالبين برد الكرامة.  كان ردهما انهما ضربا جهرا وبدون محاكمة وهما مواطنان رومانيان فليس من العدل ان يخرجا سرا.  وأصرّا على ان يأتى الحكام بانفسهم ليخرجوهما كرد للاعتبار.  والنتيجة ان الحكام اختشوا عندما سمعوا انهما رومانيان وجاءوا بانفسهم وتضرعوا اليهما ان يخرجا.

       قصة بولس وسيلا فى سجن فيلبى تحكى كيف ان الله قد يجيزنا فى ظروف صعبة لا نعرف لها مغزى ونحن وسط المعمعة.  ولكن عندما تكتمل قطع اللغز نستطيع ان نرى الصورة الكاملة ونعاين جمالها ونفهم حكمة الله منها ونشكره على الأفراح والآلام.  ونشكره بالاكثر على الآلام، لأنه بدونها لم نكن نستطيع اختبار الأفراح، ولم يكن يستطيع الآخرون  أن يروا الأفراح فينا.

This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.


2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com