كاتب وكتاب
 
يسرى حسين
 
 

كتاب إبراهيم عبد المجيد( أنا والسينما) رحلة أديب وروائي في ذاكرة المكان وتجلياته ،وعبق زمن ،انفلت وضاع في زحمة أمواج وافدة من صحراء قاحلة ،فقضت على التاريخ الذي امتد لقرون.
هذا الكتاب الفريد، يجاوب على أسئلة حائرة بشأن ما حدث للمصريين من تغيير عنيف ،من مدنية طموحة ،لسيطرة سلفية منغلقة متخلفة ،وأين؟ في ( الأسكندرية) حيث ولدً الكاتب ونشأ وامتص رحيق البحر ،الذي أطل عليه الأسكندر الأكبر والشاعر كغافيس.
كنت اتعجب دائما ،أن تتحول تلك المدينة الرائعة لحاضنة للسلفية الجهادية ،ومنحني كتاب عبد المجيد ،الوثيقة الوجدانية الإجابة عن ثغر جميل تخلى عن مكتسبات تراكمت وصنعت جماله ،واختفت ،بفضل فساد وتدهور ،سلب من الأسكندرية بريقهاالجميل.
يسرد عبد المجيد ،قصته مع السينما ،وهي بالضبط حكاية جيلنا كله الذي تفتح وعيه على دور سينما منتشرة في الإحياء الشعبية الفقيرة ،تحملنا على وسادة الخيال والجمال لرحلات في بلاد العالم وحكايات وأساطير ،بالألوان الطبيعية عن مغامرات وقصص حب ،تشبع بها القلب ،وتعلق بهذا الخيال مما حفزً على التعليم وفهم بعض قوانين العالم.
الكاتب يإخذنا في حكايات من داخل الدرجة الثالثة بدور السينما التي يتجمع داخلها هؤلاء الحالمون ،والمتعلقون بفن الخيال ،الذي يعد إنجاز القرن العشرين ،وجاء لمصر ،بفضل جاليات إجنبية ،قامت ببناء دور السينما في الفاهرة في المناطق الثرية والأخرى المتواضعة النظيفة في المناطق الشعبية.
يسجل انتقاله من دور الدرجة الثالثة للأولى ،وسط المدينة ،وصدمة الحضارة للأنتقال لسينما كيفك نظيفة وروادها بالجمال والأناقة نفسها ،فأنت داخل مجتمع واحد تتنقل من حالة لأخرى ،بسبب زيادة المصروف أوارتفاع للأجر.
اتذكر شخصيا ،انتقالي من سينا ( الشرق) بالسيدة زينب ،لدخول سينما( كايرو) وسط المدينة أصابتني حالة من الدهشة بسب التكييف والنظافة والرقي ومستوى جمال الفتيات وأناقتهن ،الآن تلك السينما أصبحت أقل من الدرجة الثالثة وجمهورها محجبات وأحيانا منقبات
يحكي المؤلف بأسلوب الحكي،عن غرام بالسينما التي جذبته لعالم جميل ،متوفر آنذالك بقروش قليلة ،مع ثقافة تحيط دور السينما من مطاعم رخيصة ومقاهي ،وقد عشت هذه الإجواء في القاهرة بين دور سينما شعبية في السيدة زينب وشيرا ،وانتشار تلك البؤر للمتعة والخيال ،أفرزت أجيالا محبة السينا والفن ،واذكر حديث للمخرج صلاح أبوسيف عن تأثير سينما ( ايديال) كانت قائمة بالقرب من ميدان عابدين في الطريق لميدان الأوبرا ،تلك السينما التي ألهمت مخرج الواقعية المصرية تم هدمها ،كما يحدثنا عبد المجيد عن موجة هدم دور السينما في الأسكندرية فظهر الإرهاب والعنف ،لأنك أغلقت منافذ البهجة ،وسمحت لأبواق التدمير ،لتخريب شعب محب للفن وظهرت على أرضه ليلي مراد وشادية وهند رستم.
يسجل الكاتب دور السينما في الأسكندرية ،التي تم هدم أغلبها عن عمد وأصرار ،ثم نبكي عن إرهاب سيطر على حياتنا؟.
كان الأجانب ،الذين بنوا تلك السينمات على قناعة أن نشر البهجة يؤدي لأستقرار الشعوب ،اذ لا يمكن لمشاهد تابع( كاميليا) مثلا ،يذهب لتفجير نفسه داخل بشر إبرياء ،لأن رؤية الجمال تخفض من تأثير العنف والتدمير.
يحكي المؤلف عن أفلام كونت الوجدان ، مصرية واجنبية، اذ كانت دور العرض تقدم الغنائيات المصرية مع الغربية وأفلام رعاة البقر ، مع حكايات من أساطير شعبية ،واذكر أن أمي غير المتعلمة شدًها فيلم ( حصار طروادة) ،وعندما دخلت كلية الآداب وجدتني أفهم شرح أستاذ اليونانيات عبد اللطيف أحمد علي وتحليله لململحمة الأسطورية عن طروادة ،والحرب التي اشتعلت بسبب امرأة بين الشرق والغرب.وكان اسم( هيلين) بطلة حكاية الحرب في ذهني منذ مشاهدة الفيلم بجانب أمي بسينما ( الأمير) بشبرا.
ويجمع المؤلف بعض مقالاته عن السينما وتكتشف تأثير إرث ترسخ في وجدان ،وراء أهم كتاب الرواية في زماننا المعاصر.
هذا الكتاب كأنه أنا ،لأن إبراهيم عبد المجيد ينسج ضمير جبلنا ويسجل كا مامرً وإنكتب في الوعى والوجدان ،وهو هنا يسجل جمال الإسكندرية الذي اندثر وضاع بفضل هجوم شرس، اقتلع نوافذ المتعة ،وجلب بدلا منها القبح والخلاف على حجاب المرأة وخروجها للعمل ،بينما في زمن السينما في كل مكان ،كان الشاغل جمال صوفيا لورين و أناقة نادية لطفي وسحر سعاد حسني .
زمن السينما ،كان جميلا منعشعا يمتليء بالموسيقى وجميلات مصر والعالم ،وكان شط الإسكندرية المسرح المفتوح للجمال والذوق والتحضر ،أما الآن فالنقاب المخيف سيد الموقف.
كتاب عبد المجيد، وثيقة وجدانية عن زمن كان وانتهى ،ولم يبق لنا سوى البكاء على أطلاله ، ،كما بكى عبد المجيد وهو يسجل دور السينما ، التي تم هدمها على يد مغًول الصحراء ،الذين هجموا على مدينة، كانت تزدهر بالغناء والملاهي ودور السينما ،فأصبحت وكرا للسلفيين


2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com