لماذا لم يصل قبطى لعضوية الكونجرس؟


بقلم منير بشاى


أتت الانتخابات الأخيرة للكونجرس الأمريكى فى نوفمبر 2018 بنتائج كانت مفرحة للبعض ومحبطة للبعض الآخر. حقق الديمقراطيون نصرا على الجمهوريين وانتزعوا منهم الغالبية بالمجلس. ونجحت المرأة فى انتخاب اكبرعدد من النساء فى تاريخ المجلس. واستطاعت أمريكيتان مسلمتان الوصول للمنصب الرفيع، واحدة من أصول فلسطينية، والأخرى من أصول صومالية.


هذه النتائج دفعت البعض للتساؤل عن سبب غياب الاقباط من التمثيل فى المجلس. واشاروا الى خيبة الامل فى ان الاقباط الذين لهم بامريكا ستة عقود لم يدخلوا الكونجرس بينما الاقلية الصومالية الأقل عددا وشأنا نجحت فى ذلك. هذه الغيرة تعكس عادة متأصلة عند الاقباط. فالاب القبطى عادة يكون فخورا بانجازات ابنه الى ان يظهر على الساحة ابن الجيران متفوقا فيشعر الأب بالغيرة ويوبخ ابنه بالقول: شايف ابن الجيران جاب مجموع ودخل كلية الطب وأنت (يا فالح) يا دوب دخلت كلية التجارة؟  ناهيك ان الطب لم يكن هواية الابن وانه فى تخصصه قد يحقق نجاحا اكبر من ابن الجيران. ولكنها الغيرة القاتلة والرغبة فى التفوق ليس على الذات ولكن على الغير.


فى هذا السياق تحضرنى قصة رمزية عن أم يهودية لولد وبنت. والمعروف ان الام اليهودية يضرب بها الأمثال فى دفع اولادها نحو التفوق. تقول القصة ان تلك الأم قامت بجهود مكثفة مع اولادها ليصلوا الى أعلى درجات  التفوق الدراسى والمهنى الى ان تخرج ابنها من كلية الطب. اما الابنة العنيدة فلم تكن سهلة الانصياع لرغبة امها فلم تتجه الى الطب ولكنها قررت الدخول لعالم السياسة. وفى السياسة نجحت الابنة وارتقت الى ان وصلت لتكون اول امرأة فى تاريخ امريكا تنتخب لرئاسة الجمهورية. وفى احتفال حلف اليمين جلست الام تراقب ابنتها والدموع فى عينيها. ولكنها لم تكن دموع الفرح لما حققته الابنة من نجاح بل الحسرة على انها لم تصل لما وصل اليه أخاها الطبيب. وعندما وقفت الابنة لاداء القسم مالت الام تهمس للسيدة الجالسة الى جوارها لتقول بكل اسف عن ابنتها: شايفة الست دى اللى واقفة هناك؟..أخوها دكتور!!


بنفس المنطق يتعامل بعض الاقباط مع اخوتهم المهاجرين، يتغافلون كل انجازاتهم العظيمة ولا يتذكرون لهم سوى انهم لم ينجحوا فى الوصول لعضوية الكونجرس الأمريكى!. هذا مع ان عدم النجاح معناه المحاولة مع الفشل. اما اقباط امريكا فلم يحاولوا لأن المنصب لم يكن هدفهم أو جزءا من اولوياتهم.


ولذلك فللرد على المتشككين سأحاول بداية ان انفى عن اقباط امريكا دعوى الفشل. واعلم مسبقا اننى قد لا انجح فى تغيير فكر بعضهم، فليكن. يكفينى ان اسجل ما اقول لوجه الحقيقة والتاريخ. وحتى نفهم حجم النجاح ينبغى ان ننظر اليه فى ضوء قسوة التحديات.


كانت الهجرة فى ستينات القرن الماضى عملا غير مسبوق بالنسبة للاقباط. ومن ثم كان الرفض لهذا الفكر وخاصة من الاسرة التى ربت ابنائها وتنتظر العائد لهذا الاستثمار عندما يصبح ابنائهم السند لهم زمن الشيخوخة. كان هجرة الابناء يمثل بيعا للوطن وخيانة للاسرة وتخليا عن الوالدين. وعندما حانت ساعة الفراق لم يودعوهم بالتشجيع والدعاء ولكن بالبكاء، كما لو كانوا يشيعوهم الى مثواهم الاخير، فهاجروا وهم يحملون على أكتافهم حملا ثقيلا من الشعور بالذنب.


وهؤلاء اقدموا على اكبر مخاطرة فى حياتهم عندما تركوا اعمالهم فى سن متقدم ليبدأوا حياتهم من جديد. منهم من كان متزوجا وعنده اولاد، جاءوا الى بلاد مختلفة العادات واللغة ونظام التعليم وشروط ممارسة المهن. ولم يكن فى جيوبهم غير القليل من المال مع ارادة النجاح.


استطاع هؤلاء ان يعادلوا مؤهلاتهم لممارسة وظائف مجزية واثناء ذلك قبلوا العمل فى وظائف متواضعة. كان على ذلك الجيل ان يبنى حياته بدءا بالكنائس التى نشروها فى كل ربوع امريكا. واستطاع الكثيرون من هؤلاء ان ينتقلوا بسرعة من المساكن البسيطة الى الفاخرة. وحرصوا على تعليم اولادهم بافضل الجامعات بالمصاريف الباهظة. وعندما حقق هؤلاء النجاح شجع هذا الاقارب والاصدقاء بمصر (ممن كانوا قبلا يلومونهم على الهحرة) على ان يهاجروا بتعضيدهم. ومن لم يهاجر وكان من المحتاجين كان يعتمد عليهم فى تسديد اعوازه المعيشية.


المساحة المتاحة لا تكفى لسرد الكثير ولكن يكفى ان اشير هنا الى تقرير اورده كتاب مشهور اسمه إ   (جارك المليونير) وهو دراسة للاقليات بامريكا ويصنف  
The Millionaire Next Door

الجالية المصرية فى المرتبة الثانية نجاحا بعد الجالية اليهودية مباشرة. وهذا انجاز غير عادى لجالية لا تزيد فى عمرها عن ستة عقود تفوقت عن جاليات اوروبية عمرها بامريكا مئات السنين.


نعود للسؤال: لماذا لم نر قبطيا يصل الى الكونجرس مثلما فعلت مرشحة الجالية الصومالية؟ المرشحة ولهان وصلت للكونجرس لانها رشحت نفسها فى منطقة شمال ولاية ميناسوتا التى يعيش فيها اكبر تجمع صومالي ويطلق عليها عاصمة الصومال بامريكا. وقد تبنى حملتها الحزب الديموقراطى لان قصتها اكسبتها شهرة عالمية رأى الحزب انه فى الامكان الاستفادة منها. ودخلت الانتخاب باجندة ليبرالية بوعود تدغدغ المشاعر لا يمكن تنفيذها فى امريكا مثل مجانية العلاج ومجانية التعليم الجامعى وأيضا التخلص من ترمب. أما الاقباط فمعظمهم ينتمى للحزب الجمهورى ولا يتركزون فى منطقة واحدة. لابد من عقود من العمل العام والاختلاط بالجاليات الأخرى وتحقيق نوع من الشهرة تدفع الناس على انتخابهم. هذا غير متوفر مع الجيل القديم الذين كانت أولوياتهم تتركز فى بناء أنفسهم واولادهم ومساعدة أخوتهم بمصر.


أقباط أمريكا جالية صغيرة حديثة. ويقينى انهم سيصلوا للكونجرس فى يوم من الايام. ومع ذلك لا أدرى لماذا فات المتسائلون ملاحظة ان الاشكالية الأكبر تواجه اقباط الداخل. فمع انهم أصل مصر ويمثلون خمس سكانها فيكاد يكون مستحيلا أن يصل أحدهم للبرلمان عن طريق الانتخاب.


Mounir.bishay@sbcglobal.net


2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com