Print

الجدار المصطنع بين اقباط الداخل والخارج!

بقلم منير بشاى


ليس هدفى فى هذا المقال اصدار احكام عامة بالادانة او البراءة لفصيل دون الآخر. فاقباط الداخل واقباط الخارج ينتميان الى نفس السبيكة الانسانية ويتّصفان بنفس البصمات الوراثية ويتمتعان بنفس المزايا ويعانيان من نفس العيوب


وليس غرضى استرضاء احد. فهناك من الناس من لا يمكن ارضائهم مهما فعلنا. فان نجحت كلماتى فى ازالة بعض سؤ التفاهم وساعدت على بث شىء من الود ستكون قد ادت الغرض منها. وان لم تنجح فيكفينى اننى حاولت، وأنتظر المستقبل لعله يكون افضل من الحاضر


ومع ذلك يجب ان اشير بداية الى ان حركة الهجرة التى بدأت منذ حوالى 60 عاما، والتى خلقت جدارا بين من بقى ومن هاجر، فإن هذا الجدار قد بدأ يتفكك بفعل الزمن. وساعد على ذلك التقنيات الحديثة التى قرّبت بين الناس. وعلى سبيل المثال فمنذ 60 عاما كان المهاجر ينفق مرتب اسبوع كامل فى مكالمة تليفونية واحدة لاهله بمصر. ومن الطبيعى انه لا يستطيع القيام بالمكالمة الا كل عدة شهور. اليوم انخفضت اسعار المكالمات بالاضافة الى ظهور برامج التواصل الاجتماعى مثل الفيسبوك والسكايب التى اتاحت للناس ان يعيشوا معا داخل غرف الكترونية عبر القارات ويكلموا بعضهم البعض بالكتابة وبالصوت واحيانا بالصورة دون ان يتكلفوا شيئا يذكر من المال. وهذا ساعد على خلق تفهّمات بين الواحد والآخر بطريقة اقرب ما تكون للحياة المشتركة.


اضف الى ذلك ان الشباب الذين هاجروا فى ستينات القرن الماضى قد فعلوا ذلك غالبا ضد رغبة الاهل. وكان الاهل ينظرون الى ابنائهم المهاجرين كأنهم قد انتقلوا الى العالم الآخر. وعندما قام المهاجرون بفضح الممارسات التى تتبناها الدولة من تحيّز كان من اعترض فى البداية هم الأهل الذين ازعجهم ان يهتز بهم القارب الآمن فيهدد السلام النسبى الذى يتمتعون به. اما الدولة فكانت تنظر الى المهاجرين كشوكة فى جبينها. فعندما زار الرئيس الاسبق انور السادات امريكا ونظّم الاقباط هناك مظاهرات احتجاجية ضده غضب وعبّر عن غضبه بعد عودته واصفا اقباط امريكا بالاسم المهين "اقباط المهجر" الذى يوحى بان هذه الفئة قد هاجرت وانتهى امرها ولم يعد لها ما يربطها بمصر. الغريب ان السادات بعد احتياجه للعملة الصعبة عاد ليخطب ود "أقباط المهجر" ويشجّع زيارتهم لمصر وتحويل بعض ما لديهم من الدولارات الى ذويهم بمصر. وهؤلاء الاقرباء اخذت نغمة الغضب عندهم تقل حدة بعد ان اكتشفوا ان الاحوال الاقتصادية اصبحت سيئة فى مصر تماما كما توقّع ابنائهم الذين سافروا. ومن المفارقات ان يكون الابناء المغضوب عليهم هم من قدموا للأهل العون المالى لمواجهة اعباء الحياة.


أما الاخوة الذين كانوا قبلا مترددين فقد تشجعوا وقدموا طلبات هجرة بضمان من سافروا قبلا. بل ان الاباء والامهات الذين كانوا يظنون انهم قد فقدو ابنائهم الى الابد رحّبوا بالسفر الى امريكا للزيارة فى البداية وبعد تكرار الزيارة قدّم بعضهم طلبات للاقامة الدائمة ثم الجنسية الامريكية. واصبحت حياة الكثيرين منهم موزعة بين مصر وامريكا والبعض قرر المعيشة الكاملة بامريكا حيث الابناء والاحفاد والكنائس والاصدقاء الجدد والاعالة الكريمة من الحكومة الامريكية.


ومع ذلك فبقايا ذلك الجدار ظل قائما فى اذهان البعض يغذيه المشاعر التى تلعب على اوتار ما استجد من الفوارق المادية. تغيرت احوال المصريين بين من يعيشون فى مصر ومن سافروا الى الخارج. ومرت على المقيمين فى مصر ظروفا مالية صعبة دفعت بعضهم الى تدنى مستواهم المعيشى نتيجة ارتفاع الاسعار وهبوط قيمة الجنيه. وهذه الفوارق الاجتماعية خلقت نوعا من الحساسية المصحوبة بالحزازيات الدفينة حتى رغم التظاهر بالعكس. واصبح لزاما على الطرفين ان يبذلا جهدا مضاعفا للتعامل مع هذه الظاهرة.


للتخلص من ذلك الجدار يجب ان يحرص كل طرف على احترام خصوصيات الاخر. ما يزال بعض أقباط الداخل يعبّرون عن رفضهم لمن يعيشون بالخارج فى حق اثارة قضياهم على اساس انهم لم يعد لهم هذا الحق. ولكن الغاء دور اقباط الخارج بالنسبة لقضايا اقباط مصر هو تعدى على صميم مصالحهم لانهم على رأس قائمة المتضررين. فلا يجب ان ننسى ان اقباط الخارج تركوا وطنهم نتيجة تلك الممارسات وحتى ان كانوا يعيشون الآن فى مستوى افضل مما كان يمكن ان يصلوا اليه فى بلدهم ولكن هذا لا ينفى انهم اضطروا الى ان يقتلعوا من جذورهم و يتركوا وطنهم. هذا بلاضافة الى ان صلتهم باقباط الداخل لم تنقطع يوما فهم اقرباء او اصدقاء او ابناء نفس الايمان ونفس الوطن وهم لا يستطيعوا ان يروا مشاكل الوطن ويتظاهروا ان الامر لا يعنيهم.


ولذلك يجب ان يبذل الطرفان جهدا مضاعفا لتفهّم الواحد للآخر. فاقباط الداخل لا يجب ان يتصوروا انهم اوصياء على اقباط الخارج بحيث يامروا فيطاعوا. طبعا من حقهم ان يتقدموا باقتراحات ولكن عليهم ان يحترموا الرد اذا جاء بالنفى. ومن ناحيتهم على اقباط الخارج ان يستمعوا بتفهّم لمخاوف اقباط الداخل من تبنى بعض اساليب الدفاع التى تعودوا عليها فى العالم الجديد والتى لم تعد مقبولة نتيجة المستجدات التى طرأت على الساحة. خصومتنا ليست مع مصر ويجب ان نحترس من القيام باى عمل، ولو بحسن نية، يمكن ان يخدم مصالح اعداء مصر.


اقباط الداخل واقباط الخارج ليسوا شعبان لهما مصالح متناقضة ولكنهما شعب واحد له هدف واحد. اتمنى ان ارى المزيد من التلاحم والتناغم بينهما فى هذا العام الجديد.

mouni
Mounir.bishay@sbcglobal.n