Print

الغرب وكراهية الأجانب

 

بقلم منير بشاى

 

       أحدث الاعتداء الارهابى الذى طال المصليين بمسجدى نيوزيلندا هزة عنيفة فى ضمير العالم.  كانت نيوزيلندا قد تعرّضت فى منتصف مارس 2019 لإعتداء ارهابى هو الأسوأ فى تاريخها.  اقتحم رجل يحمل مدفعا رشاشا المسجدين المكتظين بمصليين ينتمون لعدد من البلاد الاسلامية.  وفتح الرجل النيران على الجمهور فتسبب - حسب التقارير الأخيرة - فى قتل 50 وجرح عدد مماثلمنهم 12 فى حالة حرجة.

وقد اظهرت التحقيقات المبدأية مع مرتكب الجريمة برينتون كارنت ان اهدافه كانت عنصرية.  القاتل لا ينتمى الى اى جماعة دينية، ومع انه يتبع فكر جماعات البيض العنصرية  (White supremacist) ، ولكنه قال انه يتصرف بصفته الفردية.  وقال ان الدافع وراء الجريمة هو كراهيته لهجرة الاجانب الى بلاده ويعتبر هذا احتلالا سيغيّر من طابع البلاد ويفرض عليها ثقافة اجنبية مغايرة.  وقال انه لا يكره الاجانب فى ذاتهم ولكن يكرههم بسبب مجيئهم الى بلاده.  وأضاف انه ما كان سيعبأ بهم لو بقوا حيث هم فى بلادهم الاصلية.

التقارير التى وردت من مسلمين يعيشون فى نيوزيلندا تقول انهم يعيشون فى سلام فى وطنهم الجديد ولم يختبروا شيئا مثل هذا من قبل.  يبلغ عدد المسلمين فى نيوزيلندا حولى 60 الف من مجموع سكان نيوزيلندا البالغ عددهم حوالى 5 مليون، ولديهم نحو 60 مسجدا.  بعد الحادث تدفق الشعب الى المساجد للتعبير عن تضامنهم واضعين أمامها الزهور التى قدرت بنحو 100 الف بوكيه وقاموا بحملة جمع تبرعات لمساعدة الاسر الفقيرة بلغت حوالى 3 مليون دولار.  وقد ارتدت رئيسة وزراء نيوزيلندا غطاء الرأس الاسود للتعبير عن مشاركة المسلمين الحزن.

ما حدث فى نيوزيلندا ليس فريدا من نوعه فهو يشبه ما يحدث فى كل بلاد الغرب.  وكشخص يعيش فى الغرب بعد الهجرة للولايات المتحدة منذ حوالى نصف قرن اعلم بوجود هذه المشاعر وان كانت مختبأة تحت السطح.  معظم الناس فى الغرب مهذبون متحضرون يحبون فعل الخير ويهرعون لمساعدة المحتاج.  ولكن الغربيون ليسوا جميعهم من الملائكة وبلاد الغرب جميلة ولكنها ليست الجنة.  هناك ضمن شعوب الغرب من هو انانى وحقود وعنصرى كاره لغيره المختلف فى الدين أو العرق أو اللون أو الاصل.  ومن بين هؤلاء توجد قلة يمكن ان يصبحوا عنفاء اذا تعرضوا للضغوط.

بالتأكيد مشاعر الكراهية موجودة هنا فى الولايات المتحدة حيث لا تخطىء العين ملاحظة حقد بعض الناس على المهاجرين عندما يلاحظون كيف انهم فى وقت قصير يصلون الى مستوى اجتماعى يفوق ما وصل اليه بعض المواطنين المحليين.  والسبب فى ذلك ان المهاجرين غالبا يكونون اعلى تعليما واكثر كفاءة وطموحا.  ورغم وجود مشاعر عدم الرضى ولكنك لا ترى الكثير من الاعتداءات لأن المشاعر لا تجد ارضا خصبة للعنف.  والدولة تعمل حساب هذه المشاعر وتحاول ان تتفادى نتائجها.  فعلى سبيل المثال فى اعقاب تحطيم برجى منهاتن بواسطة القاعدة التى يديرها اسامة بن لادن فطنت الدولة الى ان اشقائه الذين يعيشون فى الولايات المتحدة يمكن ان يتعرضوا للانتقام فحملتهم على طائرة خاصة الى خارج البلاد.  ولكن الاعتداءات رغم قلتها تحدث.  واتذكر انه بعد حادث تحطيم البرجين قامت موجة عنف ضد الاجانب وكان احد الضحايا قبطيا يعيش فى كاليفورنيا ويمتلك محل بقالة عربية وواجهة محله بها بعض الكلمات باللغة العربية.  والذين قتلوا الرجل لم يحاولوا ان يعرفوا ما اذا كان له صلة بالارهاب كل ما اثارهم انه اجنبى.

وما يغذى هذه المشكلة ان اجراءات الهجرة كثيرا ما ينتج عنها ما يثير حفيظة المتطرفين. فالدولة عندما تحدد الفئات المطلوبة للهجرة من الطبيعى انها تعطى الافضلية للتخصصات المهنية العالية والتى بطبيعة الحال تدر دخلا كبيرا على اصحابها.  اصحاب هذه الوظائف من حقهم ان يستفيدو ماليا عندما يتم تعيينهم ولكن بلد الهجرة هى المستفيد الاكبر.  عندما يأتى هؤلاء الى بلد الهجرة يكونون جاهزين للعمل بعد وقت قصير ودون ان تنفق الدولة شيئاعلى تعليمهم.

        المهاجر الذى ينتمى لتلك التخصصات المطلوبة هو ثروة ثمينة حصلت عليه بلد الهجرة بالمجان.  وهو اضافة قيمة للدخل القومى للبلاد تساعد على ازدهاره ونجاحه.  وليس غريبا ان بلدا مثل الولايات المتحدة تحدث لها هذه الطفرة فى فترة قصيرة لتصبح انجح واغنى واقوى دولة فى العالم والسبب هو المهاجرين الذين استطاعت أمريكا ان تجذبهم فاستفادوا وافادوا وطنهم الجديد.

لا مبرر للعنف ولا عذر لمن يلجأ له.  ولكننا نعلم انه يوجد للأسف اناس لسبب او آخر اصبحت الكراهية هى المتحكمة فى سلوكهم.  هؤلاء كل ما يحتاجون اليه مجرد دفعة بسيطة ليقعوا فى المحظور.  هؤلاء ربما وجدوا انفسهم يشغلون اعمال الخدمة للاجانب الذين يعتبروهم اقل قيمة طبقا لفكرهم العنصرى المتطرف.

ولكن لو تخلى هؤلاء عن حقدهم وفكّروا فى الامر بطريقة منطقية لقدّروا لهؤلاء الاجانب دورهم فى انهم ساعدوا على تحسين اقتصاد البلد الذى لولاه ما حصلوا على ما لديهم من وظائف.  ولكن الكراهية لا تتبع منطقا والعنف لا يؤدى الى حلول.  ومن ناحية اخرى كيف نفترض العقل فى هؤلاء بينما العالم كله مجنون؟

This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.