Print

الشكر من عادة إلى عيد!

بقلم منير بشاى

 

 

       يوجد تقليد جميل فى الولايات المتحدة بموجبه تم تخصيص يوم فى السنة يسمى "يوم الشكر"  وقد تحدد موعده فى الخميس الرابع فى شهر نوفمبر من كل عام.  هذا اليوم هو احياء لحدث هام فى تاريخ امريكا حين توقف الصراع الدموى بين الرواد الاوائل وسكان البلاد الاصليين.  فجلس الجميع يأكلون معا وجبة مما توفّر فى هذه البلاد وكانت تتكون من الديك الرومى والبطاطا والتحلية كانت الكريز (الكريمبرى)

      

والى هذا اليوم وفى هذا التاريخ يجلس الامريكيون على المائدة مع عائلاتهم ليشكروا ويأكلوا نفس تلك الأطعمة.

       القيمة الكبيرة فى هذا هى عادة الشكر.  الشكر فضيلة تحوى داخلها العديد من الفضائل منها الرضا والاكتفاء والتسامح.  والشكر فى الحياة المسيحية يمثّل ركنا هاما يبرهن على صدق الايمان.  فالمسيحى الحقيقى هو الانسان الراضى القانع والشاكر وليس الساخط الغاضب والجاحد.

       مارس السيد المسيح حياة الشكر ليعطينا مثالا حيا لكى نتبعه.  فكان دائما يقدم الشكر " وفى تلك الساعة تهلل يسوع وقال أحمدك أيها الآب رب السماء والأرض "  لوقا 10: 21.  وقبل الأكل كان يشكر "أخذ يسوع الارغفة وشكر ووزع على التلاميذ"  فحدثت البركة واشبع الآلأف (يوحنا 6: 10- 13).  وحتى قبل الصلب شكر متقبلا مشيئة الآب "فلتكن مشيئتك" متى 26: 42. 

       والمسيح علّمنا ان نشكر.  ففى الصلاة الربانية النموزجية علّمنا ان نبدأ بتقديس اسم الآب السماوى وتمجيد اسمه وتتميم مشيئته قبل ان نطلب احتياجاتنا من الخبز اليومى (متى 6: 9).  وعندما شفى المسيح العشرة رجال البرص وبّخ التسعة الذين لم يشكروا وامتدح الواحد الذى شكر (لوقا 17: 11- 18)

       لا نستطيع ان نحصى الخيرات التى تأتينا من الله فهو مصدر الخيرات "كُلُّ عَطِيَّةٍ صَالِحَةٍ وَكُلُّ مَوْهِبَةٍ تَامَّةٍ هِيَ مِنْ فَوْقُ، نَازِلَةٌ مِنْ عِنْدِ أَبِي الأَنْوَارِ، الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ تَغْيِيرٌ وَلاَ ظِلُّ دَوَرَانٍ" يعقوب 1: 17

       وهو ليس فقط مصدرها ولكنه صانعها.  الله هو الذى خلقنا لنكون موضع لذّته، ورتب لنا ان نعيش فى شركة معه فى الجنة، ولكن نحن الذين عصينا وسقطنا فى غواية الحية.  ومع ذلك رتّب الله لنا خلاصا بتقديم نفسه كحمل الله الذى يرفع خطية العالم  (يوحنا 1: 29).  وهو الضامن لحياتنا الابدية (يوحنا 3: 16).  وفى حياتنا على الارض وعد ان يكون معنا كل الايام الى انقضاء الدهر (متى 28: 20)  ويدبّر امور حياتنا فلا تسقط شعرة من رؤوسنا بدون سماح منه (لوقا 21: 18).

        ولكننا نعيش فى عالم شرير ومن اجل هذا نمر فى آلام واضطهادات والله يتضايق فى ضيقاتنا "في كل ضيقهم تضايق و ملاك حضرته خلصهم." اشعياء 63:9  والله يستخدم الألم فى حياتنا لحكمة خاصة احيانا لتأديبنا عندما ننحرف او لتنقية حياتنا عندما تعلق بنا الشوائب او لتدريبنا لنصبح أقوياء فى حياة الصبر والايمان.

        وسواء فى الظروف السهلة او الصعبة ينبغى ان نشكر الله على كل حال ومن اجل كل حال وفى كل حال.  وهناك وسائل كثيرة للشكر:

        نشكر الله عندما يلهج لساننا بحمده.   "لِسَانِي يَلْهَجُ بِعَدْلِكَ اليَوْمَ كُلَّهُ بِحَمْدِكَ" المزامير 35: 28

        نشكر الله فى الصلاة. "لا تهتموا بشىء بل فى كل شىء بالصلاة والدعاء مع الشكر لتعلم طلباتكم لدى الله" فى 4: 6

        ونشكر الله فى التسبيح. "أُسَبِّحُكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِي، وَأَشْدُو لَكَ أَمَامَ الْمَلائِكَةِ.  أَسْجُدُ فِي هَيْكَلِ قُدْسِكَ، وَأَحْمَدُ اسْمَكَ" مزمور 138: 1 و 2

        نعود الى "يوم الشكر".  للأسف مثل كل شىء جميل، فمع الايام يتحوّل الشكر تدريجيا من المعنى الحقيقى الى مجرد رمز.  فبدلا من ان يكون الشكر عادة نمارسها فى كل يوم وكل لحظة أصبح عند الكثيرين عيدا يأتى مرة فى كل عام.  بل وحتى مناسبة الشكر السنوية أخذت تقل ليتحول "يوم الشكر" الى " يوم الديك الرومى" ومناسبة يجتمع فيها الأهل والاصدقاء ليحشوا بطونهم بالديك الرومى والبطاطا والكريز.

This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.