الأقباط بين الوطنية والمواطنة

بقلم منير بشاى

 

        يعيش الاقباط منظومة متناقضة.  فالدولة تتوقع منهم سلوكيات مثالية تتمشى مع واجبات الوطنية، ولكن فى المقابل تحرمهم من الحد الادنى للمعاملة الكريمة طبقا لحقوق المواطنة.

واجبات الوطنية

        الاقباط لا يحتاجون الى تذكير بمراعاة قيم الوطنية وحب الوطن.  فمصر هى وطنهم منذ الاجداد وعلى مدى آلاف السنين.  عظام ابائهم وجدودهم اختلطت بتراب مصر ودمائهم الكريمة روت ارض مصر الطيبة.  حتى من اضطرتهم ممارسات التحيز الى ترك مصر والحياة خارج حدودها فان مصر لم تخرج يوما من حياتهم فظلوا مهمومين بمشاكلها مهتمين بايجاد حلول لها.  ومع ذلك اراد البعض قطع الصلة بهم بتصنيفهم على انهم "أقباط المهجر" على خلاف المسلمين المغتربين الذين لم يلصق بهم احد اسم "مسلمين المهجر".  ولكن الاقباط المغتربين رفضوا هذه التسمية العنصرية البغيضة واصروا على البقاء جزءا لا يتجزأ من مصر.

       اخلاص الاقباط لتراب مصر لا يحتاج الى برهان.  فى المقابل هناك فصيل اعتبر الوطن "حفنة من تراب عفن"  وكانوا دوما يسعون لتذويبه فى كيان سياسى دينى ثبت فشله وهو الخلافة الاسلامية.  اما الاقباط فلم نسمع ان احدهم باع وطنه للعدو او شاركه الاسرار الاستراتيجية. 

        الوطنية ليست رخيصة وتظهر فى التضحية.  ولقد ضحى الاقباط بكل غال وثمين بما فى هذا التضحية بالنفس للزود عن سلامته والدفاع عن حدوده.  ومن ناحية اخرى وجدنا فصيلا يريد تحويل مصر الى ولاية فى منظومة دينية ثبت فشلها.  ووجدناهم يستهدفون اخوتهم فى الوطن حيث حرقوا اكثر من 80 كنيسة فى يوم واحد.  ولكن الاقباط فوتوا علي هؤلاء خطتهم لحرق مصر بعدم رد الاساءة بل قالوا انهم يقدمون كنائسهم قربانا لفداء الوطن.

        والوطنية ليست مجرد شعارات ولكنها سلوكيات والتزامات.  الوطنية هى ان تكون ملح الارض ونور العالم.  الوطنية هى ان تحترم القانون ولا تتعدى على حقوق الغير.  وهى ان تدفع ما عليك من الضرائب ولا تسلب مستحقات الدولة.  الوطنية هى ان تكون عنصر سلام ومحبة بين الناس.  ولقد اثبت الاقباط انهم بالفعل يحبون مصر ويحبون اخوتهم شركاء الوطن.  يحدث هذا رغم الاعتداءات المتكررة على اشخاصهم واولادهم وبيوتهم ومتاجرهم وكنائسهم.  وبعد كل اعتداء يظهر الاقباط لينفذوا تعاليم السيد المسيح بمحبة الاعداء والصلاة من اجل المسيئين.  وبذلك استطاعوا ان يبطلوا مخطط الفتنة.  وهو ما كان يتمناه الطرف الآخر.

حقوق المواطنة

        ولكن الاقباط رغم تقديمهم لواجبات الوطنية لم يحصلوا يوما على حقوق المواطنة ومن اهم اركانها المساواة.  فكيف يكون هناك مواطنة والدولة تتعامل مع المواطنين بمعيارين؟  لا مساواة فى القانون ففصيل يتمتع باقرار مبادىء شريعته كالمصدر الرئيسى للتشريع وفصيل لا اعتراف بعقيدته.  فصيل يبنى المساجد على حساب الدولة بدون عوائق وفصيل يحتاج الى موافقة اعلى سلطة لبناء كنيسة وعندما يحصل عليها يقف المتطرفون عائقا دون البناء.  فصيل يدخل كل الكليات والاقسام وفصيل يمنع منها بسبب الدين.  فصيل يستطيع الوصول الى اعلى الوظائف وفصيل يمنع من وظائف بالذات مثل الامن الوطنى وتحد نسبته فى الكثير من الوظائف الأخرى.

        من اهم حقوق المواطنة التمتع بالحريات التى يكفلها القانون الوضعى والدولى.  حرية التمتع بالحياة الكريمة حق من حقوق الميلاد وليست منحة من الحاكم.  حرية التعبير عن الراى ايضا من حقوق المواطنة.  وهى تتضمن حق مناقشة اى موضوع بالطرق السلمية.  وضع سيف على رقاب الناس فيما اصطلح عليه باسم ازدراء الاديان هو الغاء لبند هام من حرية التعبير.  حق العبادة وتشييد دور العبادة هو من اهم الحقوق.  حق تغيير الدين لاى دين يريده المواطن دون ملاحقة بالسجن والقتل هو التزام وقّعت عليها كل الدول وتعهّدت به.

        الحياة الآمنة من اهم متطلبات المواطنة.  ولا مجال لانكار ان الاقباط اصبحوا يعيشون مؤخرا حياة تفتقر الى الامن والامان.  اعتداء تلو آخر يطالهم دون ذنب اقترفوه ويتم عادة وهم يصلون داخل كنائسهم.  وما يزيد من خطورة هذه الممارسات عدم جدية الدولة فى ضبط هذه المحاولات قبل وقوعها.  وحتى بعد وقوعها فمن المعتاد ان لا تصدر الاحكام الرادعة التى تجعل الجناة يتحسبون من محاولة تكرار جريمتهم.  وغالبا حق الاقباط فى العدالة فى هذه الجرائم يضيع بين اجراءات جمع الادلة بواسطة الشرطة والتحقيق بواسطة النيابة والحكم بواسطة القضاء.  وكل فريق يلوم الآخر امام ظاهرة ان الجرائم ضد الاقباط غالبا تمر دون عقاب.

        واجب الاقباط فى الوطنية وحقوق الاقباط فى المواطنة هما شقان لمنظومة متكاملة لا يمكن الفصل بينهما.  ولكن الاقباط الذين دائما يقدمون واجبهم فى الوطنية نادرا ما يأخذون حقوقهم فى المواطنة.  إنه وطن عقيم ذاك الذى يطالب دائما بحقه من الجميع ويسلب دائما حقوق البعض.  يحدث هذا اما نتيجة ايمان الدولة بنفس مبادىء المتطرفين او تحسبا لعدم اغضاب المتطرفين لانهم الطرف العنيف الذى تخشاه الدولة وتعمل له الف حساب.

This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.


2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com