Print

دور الله ودور الإنسان

بقلم منير بشاى

 

       هل للانسان دور ازاء ما يصيبه من كوارث؟ هل من حقه ان يتحدى الامور التى تصيبه مثل الامراض الفتاكة ام عليه ان يتقبلها دون اعتراض على أساس انها مقدر ومكتوب من الله؟

       خلق الله الانسان ليكون له شركة مع الله وليعرف مشيئتة ويساهم فى تنفيذها.  ولذلك خلقه الله على صورته وشبهه وحباه بنعمة العقل والتفكير والقدرة على الابتكار والابداع واعطاه حرية القرار والتصرف لتكون اعماله نابعة من ارادته الحرة وليست مفروضة عليه.  ومع ان الانسان استخدم هذه الخاصيات فى عصيان الله وعانى بسبب ذلك العصيان وما يزال يعانى ولكن الخطة الاساسية هى ان الانسان يشارك الله اعماله فى حدود قدراته وامكانياته البشرية.

       هناك امثلة كثيرة فى العهدين القديم والجديد على وجود دور للانسان فى اعمال الله:

·       الله يقضى على العملاق الذى كان يعيّر شعب الله مستخدما مجهود الفتى داود.

·       الله ينقذ شعبه من الهلاك ستخدما الفتاة الاسيرة استير لتصبح ملكة البلاد .

·       الله يشبع الآلاف مستخدما فتى معه بضع السمك والارغفة.

·       الله يقيم لعازر من الموت ولكن على الناس أن يرفعوا الحجر.

       مشيئة الله دائما لخير الانسان ومع ذلك الله لا يفرضها على الانسان فالانسان هو من يختار قبولها والمشاركة فى تنفيذها من عدمه.  الله هو من يقوم بالعمل ولكن من خلال مجهودات الانسان.  وهذا يتضح من أحداث رحلة الرسول بولس وهو فى طريقه الى روما ليحاكم امام قيصر والتى وردت تفاصيلها فى سفر الأعمال أصحاج 37.  ونجد فيما حدث عدة دروس.

ارادة الله لا تلغى تخطيط الانسان

       كان هناك وعد الهي لبولس انه سيصل الى روما ليمثل امام قيصر.  ومعنى هذا الوعد ان الرحلة ستتم بنجاح.  ورغم هذا التأكيد الالهى كان بولس يعلم ان المشيئة الالهية لا تلغى الدور البشرى.  وقد ظهر هذا فى عدة امور كان اولها ضرورة عمل الخطة السليمة التى تضمن تنفيذ الرحلة بدون مشكلات.  وفى هذه الحالة كان يلزم التأكد من سلامة الاحوال الجوية فيما يتعلق بالزوابع والاعاصير.  وكانت هذه الاحوال تنبىء بوجود مخاطر وحاول بولس ان ينذرالمسئولين فائلا  «أَيُّهَا الرِّجَالُ أَنَا أَرَى أَنَّ هَذَا السَّفَرَ عَتِيدٌ أَنْ يَكُونَ بِضَرَرٍ وَخَسَارَةٍ كَثِيرَةٍ لَيْسَ لِلشَّحْنِ وَالسَّفِينَةِ فَقَطْ بَلْ لأَنْفُسِنَا أَيْضاً».  ولكن قائد المئة لم ينصاع لرأى بولس ولأن موقع المدينة لم يكن مناسبا للمشتى استقر الرأى على ان يقلعوا من هناك.  ومن تفاصيل القصة نعلم ان الخسارة كانت فادحة فقد تحطمت السفينة بكل ما فيها من اثاث ومر الجميع بأيام عصيبة وعذاب شديد ولكن الله اكرم بولس فلم يهلك احد من ركاب السفينة ونجوا جميعا ولكنهم دفعوا ثمنا باهظا نتيجة تخطيطهم السيىء.  وهو درس لنا ان الله يتركنا نتصرف كما نشاء ونحصد نتيجة قراراتنا غير الحكيمة.

ارادة الله لا تلغى خبرة الانسان

فى خلال هذه الظروف الصعبة كان هناك وعد من الله لبولس انهم سينجوا جميعا من الموت ولكن البحارة كانوا يخشون على حياتهم وحاولوا الفرار.  وهنا يحذر بولس قائد المئة ان يحترس من تلك المؤامرة  "وَلَمَّا كَانَ النُّوتِيَّةُ يَطْلُبُونَ أَنْ يَهْرُبُوا مِنَ السَّفِينَةِ وَأَنْزَلُوا الْقَارِبَ إِلَى الْبَحْرِ بِعِلَّةِ أَنَّهُمْ مُزْمِعُونَ أَنْ يَمُدُّوا مَرَاسِيَ مِنَ الْمُقَدَّمِ قَالَ بُولُسُ لِقَائِدِ الْمِئَةِ وَالْعَسْكَرِ: إِنْ لَمْ يَبْقَ هَؤُلاَءِ فِي السَّفِينَةِ فَأَنْتُمْ لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَنْجُوا"  وهذا درس يجب علينا ان نفهمه ان ارادة الله للنجاة تتم عن طريق الاستعانة بخبرة الانسان وفى هذه الحالة كان نجاة ركاب السفينة مرتبطا بوجود البحارة وتوظيف خبراتهم البشرية فى عملية انقاذ ركاب السفينة من الغرق.  ومن هذا نتعلم ان ابتغاء تدخل الله لحل مشاكلنا لا يلغى مسئوليتنا فى الاستفادة من الخبرات البشرية التى تعلمناها او اختبرناها

ارادة الله لا تلغى قدرات الانسان

       كانت الظروف قاسية " لَمْ تَكُنِ الشَّمْسُ وَلاَ النُّجُومُ تَظْهَرُ أَيَّاماً كَثِيرَةً وَاشْتَدَّ عَلَيْنَا نَوْءٌ لَيْسَ بِقَلِيلٍ وانْتُزِعَ كُلُّ رَجَاءٍ فِي نَجَاتِنَا".وحَصَلَ صَوْمٌ كَثِيرٌ" استمر الى الليلة الرابعة عشرة.  وهنا و قف بولس امام الجميع يطمئنهم بوعد الرب له ان الجميع سينجون ولكنه فى هذه المرة وضع امامهم عاملا آخرا للنجاة وهو ضرورة ان يأكلوا  "لأَنَّ هَذَا َيكُونُ مُفِيداً لِنَجَاتِكُمْ لأَنَّهُ لاَ تَسْقُطُ شَعْرَةٌ مِنْ رَأْسِ وَاحِدٍ مِنْكُم ولَمَّا قَالَ هَذَا أَخَذَ خُبْزاً وَشَكَرَ اللهَ أَمَامَ الْجَمِيعِ وَكَسَّرَ وَابْتَدَأَ يَأْكُلُ. َفصَارَ الْجَمِيعُ مَسْرُورِينَ وَأَخَذُوا هُمْ أَيْضاً طَعَاماً" ارادة الله بالنجاة لا تمنع من ان يكون الانسان فى لياقة بدنية ونفسبة  تساعده على النجاة.  وهو مبدأ يمكن تطبيقه على مواقف كثيرة فى الحياة. فالتلميذ الذى يطلب من الله ان يساعده على النجاح عليه ان يذاكر المقرر جيدا واى شخص يريد نجاحا فى اى مشروع عليه ان يدرس المشروع جيدا ويعمل كل ما يتطلبه من عوامل النجاح. 

       الخلاصة ان الله دائما يشاء ما  لخير الانسان ولكن الله لا يساعد من لا يساعدون أنفسهم.  وهذا ما رايناه فى هذه القصة ان وعد الله لبولس بالنجاة والوصول سالما الى روما لم يلغ  مسئولية الانسان فى القيام بدوره  البشرى قدرما يستطيع.  ارادة الله ومسئولية الانسان يسيران معا.

 

This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.