Print

الحياة فى زمن الكورونا!

بقلم منير بشاى

 

       أحدث وباء الكورونا المستجد (كوفيد 19) فى حياة الناس تغييرات ضخمة لم تكن تخطر لهم على بال.  أصبح الناس يعيشون حياة فرضت عليها معايير قاسية مفاجئة دون سابق انذار.  وهذه كلها لابد ستترك بصماتها على حياة الناس، لفترة طويلة من الزمن، حتى بعد عبور فيروس الكورونا والتخلص من معظم مخاطره.

    فى زمن الكورونا عرفنا حقيقة حجمنا.  اذكر عندما بدأت اول عمل لى بعد هجرتى الى الولايات المتحدة اننى كنت استمع عبر الارسال الداخلى الى اغنية جميلة تتكرر مرارا خلال اليوم وكان كل مقطع ينتهى بعبارة   “How small we are, how little we know”   (ما اصغرنا وما اقل معرفتنا).  وتمر السنون وفى زمن الكورونا تأكدت من صدق كلمات الاغنية عن صغر الانسان أمام فيروس لا نراه بالعين المجردة ورغم كل ما حققه الانسان من علم وقوة.

      

وفى زمن الكورونا اصبح الدين يمارس بطريقة غير تقليدية.  تم تقليص العدد الذى يسمح له بحضور الكنائس.  وعادت العبادة الى مفهوم كنيسة البيت كما كانت فى زمن الكنيسة الأولى.  ولكن علاقة الكنيسة استمرت مع ربها وعريسها الذى قال انه حيثما اجتمع اثنان او ثلاثة باسمى فهناك اكون فى وسطهم.  استمرت الاجتماعات فى مجموعات قد يتواجد أفرادها فى اماكن مختلفة فى العالم ولكنهم يستطيعون ان يروا بعضهم ويتكلمون مع بعضهم ويصلوا معا داخل غرف الكترونية.

       وفى زمن الكورونا لم تتغير طبيعة السياسة.  فما زالت للسياسة نفس الخطط والاساليب والدوافع والصراعات.  اصبحنا نستمع الى عرض يومى يحاول فيه قادة الحكم ان يكسبوا ثقة الناخب بدءا بالمدينة ثم المحافظة والولاية وانتهاء برئيس الجمهورية.  وحتى عندما تقرر ارسال شيكات من ميزانية الدولة لتنشيط الاقتصاد تصارعت الاطراف كل تنسب الفكرة لنفسها.  وما تزال المعركة تدور نتيجة ارفاق رئيس الجمهورية بخطاب موقعا منه مع الشيك تم ارساله من خزانة الدولة لكل مواطن وقد ناله اللوم بانه كان يحاول التأثير على الناخب لمصلحته الشخصية. .

       وفى زمن الكورونا تغيرت طريقة العمل.  اصبح العدد الكبيريقوم بالعمل من المنزل عن طريق الحاسوب الالكترونى.  ومن يلزم وجودهم فى مقر العمل يتم مع توقيع الحضور قياس درجة حرارتهم والتى تحدد ما اذا كان يسمح لهم بالدخول ام يعودوا مرة اخرى للبيت.  وقد يتطور الامر اذا ثبت اصابتهم بالمرض الى ان يذهبوا للعزل حتى يقضى الله فى امرهم.

       وفى زمن الكورونا اختفى الفصل الدراسى من منظومة التعليم.  لم يعد هناك مكان جغرافى يذهب اليه التلاميذ ليتلقوا العلم.  المدارس فرضت نظرية التباعد الاجتماعى فاغلقت ابوبها ولازم التلاميذ بيوتهم.  ولتعويض التلاميذ عن هذا الوقت الضائع تتم لقاءات الكترونية بين التلاميذ والمدرسين لأخذ التوجيهات لكيفية تتبع المنهج من خلال مواد تنشر على الانترنت.  وفى التعليم الجامعى لجأ الاساتذة الى تسجيل محاضراتهم ووضعها على مواقعهم فى الانترنت.  وعن طريق الانترنت يتتبع الطلبة المنهج ويؤدوأ الامتحانات.

       وفى زمن الكورونا تغير المفهوم التقليدى لفحص الطبيب للمريض.  اصبحت معظم الرعاية الطبية تتم عن طريق التليفون.  يتصل المريض ويترك رقم تليفونه ويعطى موعدا حيث يتصل به الطبيب  ويسأله عن حالته ويشخص مرضه ويكتب له روشتة العلاج.  واذا لزم الامر يحيله لاجراء اختبارات معملية أو يحيله الى طبيب متخصص.  واذا كان يلزم الفحص الشخصى يعطى له موعدا مع طبيب يقوم بهذا او يحيال الى غرفة الطوارىء اذا كانت الحالة حرجة وعاجلة.

       وفى زمن الكورونا يتم التسويق بينما المستهلك جالس فى مكانه فى البيت لا يحرك سوى اصبعه على شاشة الحسوب ودون ان يخطو خطوة واحدة.  محلات بيع الخضروات واللحوم والفاكهة والخبز والبقالة تعرض بضائعها على الانترنت فيختار المستهلك ما يحتاجه ويدفع الثمن الكترونيا من حسابه المصرفى ثم ترسل الطلبات الى امام باب المنزل بعد اعدادها.  وما يحدث مع الاكل يحدث مع كل شىء آخر سواء كان ملابس او اثاث او اجهزة او غير ذلك.

       وفى زمن الكورونا تغيّرت طريقة الاعمال المصرفية.  انتهى مفهوم زيارة البنك واصبحت مصادر الدخل تودع اتوماتيكيا لحسابك فى البنك والصرف يتم اما بالتحويل الالترونى من بنك الى بنك او باستعمال الكرديت كارد الذى يصب فى نفس الحساب.  الشيكات مازالت موجودة ولكن يتناقص استعمالها يوما بعد يوم.

وفى زمن الكورونا اختفت اللمسة الانسانية وحدثت فواصل اصطناعية بين الناس.  اصبحنا نسمع عن التباعد الاجتماعى والتباعد الشخصى Social distancing and physical distancing  .  طبيعة الانسان الغربى لا تميل الى المصافحة او العناق او القبلات (عمال على بطال) اما فى زمن الكورونا فقد اصبحت هذه كلها من المحظورات.  كشرقيين كنا نبالع فى هذه واضطررنا الى ان نقلل منها.  ولكن هل سنتعود على منعها تماما؟

لسنا سعداء باقتحام الكورونا لحياتنا وتغييرها لعاداتنا.  وكم نشتاق لليوم الذى يحدث فيه تباعد اجتماعى بيننا وبين الكورونا، ويعود التقارب الاجتماعى المفقود بين الانسان واخيه الانسان!

This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.