الأبوة الإلهية: الحنان والأمان والضمان
بقلم منير بشاي

 

فى كتابها "عندما تجرأت ودعوت الله أبى" تعبر الباكستانية بلقيس شيخ بأبلغ الكلام عن مشاعرها بعد عبورها من الاسلام الى المسيحية. لأول مرة تقف لتصلى الى الله بعد ان عبرت حاجز الخوف. ولأول مرة تخاطب الله بكلماتها الشخصية، دون ترديد لما تلقنته فى الماضى، ودون مراعاة لطقوس ومراسيم خاصة، تكلمه بعفوية ودون تكلف وتتجرأ وتدعو الله "أبى".

يا له من شعور جميل بالحميمية والامان ان يتعامل الانسان مع الله كما يتعامل الابن مع ابيه. كانت بلقيس قبلا تتعامل مع اله بعيد غامض تخافه وتخشاه ولا تعرف كيف تكون ردود افعاله ازاء ما ترتكبه من معاصى. وكان كل ما تأمل فيه ان ميزان حسناتها يرجح الكفة المقبولة عند الله.

تعلمت بلقيس ان الله له تسعة وتسعون اسما ليس من بينها اسم "الآب" او اسم "المحب" ولكن ضمن هذه الاسماء: الجبار، المتكبر، القهار، المقيت، المميت، المتعالى، الضار. وتعلمت عن الله أنه الماكر الذى لا يؤتمن "فلا يأمن مكر الله الا القوم الخاسرون" سورة الأعراف 7: 99. وفى تفسير ابن كثير يقول "ان المؤمن يعمل بالطاعات وهو مشفق وجل خائف."

فأين الاحساس بالامان للمؤمن الذى يعمل ويطيع والذى مهما فعل لا يضمن ما سيعمله الله معه؟ هذا الشعور عبّر عنه أبو بكر الصديق أول الخلفاء الراشدين وأحد الصحابة البارزين حين قال "لو ان إحدى قدمى فى الجنة والاخرى خارجها ما أمنت مكر ربى". فاذا كان الانسان الضعيف الذى لا حول له ولا قوة يعتقد ان الله بذاته وسلطانه يعمل ضده فاى فرصة له فى النجاة؟

هذا بينما المسيحية تعلمنا ان الله اب محب حنون وان البشر هم ابناؤه المحبوبين. "لأنه وإن وجد ما يسمى آلهة سواء كان فى السماء او على الأرض كما يوجد آلهة كثيرون وارباب كثيرون لكن لنا اله واحد الآب الذى منه جميع الأشياء ونحن له ورب واحد يسوع المسيح الذى به جميع الأشياء ونحن به" 1 كورنثوس 8: 5 و 6. ويقول الرسول بولس "إذ لم تأخذوا روح العبودية ايضا للخوف بل أخذتم روح التبني الذي به نصرخ يا أبا الآب. والروح نفسه يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله فإن كنا أولاد فإننا ورثة أيضاً ورثة الله ووارثون مع المسيح" رومية 8: 15- .17

السيد المسيح قد جاءنا بشريعة الكمال. وقدم لنا مفهوما مبنيا على النعمة والحق. لقد صالحنا مع الآب السماوى ناقضا الحائط العازل وهادما العداوة القديمة. علمنا السيد المسيح ان الله واهب الخيرات، وانه يفوق في حنانه الآباء الجسديين. قال "أى انسان منكم اذا سأله ابنه خبزا يعطيه حجرا واذا ساله سمكة يعطيه حية. فان كنتم وانتم اشرار تعرفون ان تعطوا اولادكم عطايا جيدة فكم بالحرى ابوكم الذى فى السموات يهب خيرات للذين يسألونه" متى 7: 9- .12

وعلمنا السيد المسيح اننا عندما نصلى فنحن نخاطب الله بدالة البنوة داعين اياه "ابانا الذى فى السموات" متى 7: 7. وعلمنا اننا نستطيع ان نقترب له كما نحن باحمالنا وهمومنا، فى اى وقت واى مكان. علمنا السيد المسيح ان الصلاة  صلة شخصية لا تحتاج لاعداد جسدى او تكلف خاص. ولكنها لقاء الأب مع أبنائه "ومتى صليت فلا تكن كالمرائين فانهم يحبون ان يصلوا قائمين فى المجامع وفى زوايا الشوارع لكى يظهروا للناس. الحق الحق اقول لكم انهم استوفوا اجرهم واما انت فمتى صليت فادخل الى مخدعك واغلق بابك وصل الى ابيك الذى فى الخفاء وابوك الذى يرى فى الخفاء يجازيك علانية" متى 6: 5 و.6

وعلمنا السيد المسيح ان الآب السماوى يحبنا ويريد ان يغفر ذنوبنا ولا يجد لذة فى هلاكنا بل هو ضامن ابديتنا ودخولنا الى ملكوته السماوى الابدى. قال السيد المسيح " الآب نفسه يحبكم لأنكم قد احببتمونى وآمنتم انى من عند الله خرجت " يوحنا 16: 27. وقال ايضا : لا تخف أيها القطيع الصغير لأن أباكم قد سر ان يعطيكم الملكوت" لوقا 12: 32.

وعلمنا السيد المسيح ان الله يعلم احتياجاتنا حتى قبل ان نطلبها. فقال "وحينما تصلون لا تكرروا الكلام باطلا كالامم فانهم يظنون انه بكثرة كلامهم يستجاب لهم فلا تتشبهوا بهم لان اباكم يعلم ما تحتاجون اليه قبل ان تسألوا" متى 6: 5 و 6.

وعلمنا السيد المسيح ان اعمال الانسان الصالحة هى انعكاس لحياة الله فينا، ونوره فينا  يعكس نور الله للآخرين "فليضىء نوركم هكذا قدام الناس لكى يروا اعمالكم الصالحة ويمجدوا اباكم الذى فى السموات"متى 5: 16.

وعلمنا السيد المسيح ان الله واهب السلام وان من يصنعوا السلام هم ابناء الله " طوبى (يا لسعادة) صانعى السلام لأنهم ابناء الله يدعون: متى 6: 9. وعلمنا ان من يقتل الناس هم ابناء ابليس" انتم من أب هو ابليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا. ذاك (ابليس) كان قتالا للناس منذ البدء.            يوحنا ٨: ٤٤

واليوم تواجه البشرية تحديات ربما الأسوأ في تاريخها المعاصر.  وباء عالمي خطير يحصد ملايين الناس ومن يعيشون تطبّق عليهم معايير صعبة والمستقبل مخيف.  كارثة بهذا الحجم لا يستطيع أن يحلّها الا غير المحدود وهو الله.  وهنا يأتي دور الله ليس كعدو ولكن أب صالح ومحب وقادر علي كل شيء.

والله حسب مشيئته الصالحة آحيانا يغّير الظروف ليسهّل علينا تحمّلها أو يغيرنا نحن بآن يعطينا القوة لنستطيع تحمل الظروف.  وفي جميع الأحوال يؤكّد لنا أنه ممسك بدفة الكون لصالحنا.

This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.

Reply Reply All Forward

2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com