Print

بين إنكار الذات وجلد الذات!

بقلم منير بشاي

 

        من تعاليم السيد المسيح المميزة ما قاله عن انكار الذات.  جاء عنه "وقال (يسوع) للجميع إن أراد أحد أن يأتي ورائي، فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم ويتبعني" لوقا ٩: ٢٣.  ولكن هذا التعليم كثيرا ما يتم خلطه بمفهوم مخالف تماما وهو ما يتعلق بجلد الذات.

      انكار الذات كما قصده السيد المسيح شرط من شروط التلمذة وهو جزء من مجموعة تعاليم تشمل حمل الصليب وتبعية المسيح كل يوم.  وهي تتضمن معاني صحية بناءة مثل خدمة الغير والتضحية والنجاح.  هذا بينما جلد الذات يتضمن معاني هدامة مثل كراهية الذات وصغر النفس والاحساس بعدم القيمة والفشل.

     

  هذا الخلط بين المفهومين قد ينتج عنه تبني المعني الثاني الخاص بجلد الذات واعتباره انه تتميم لما قصده المسيح عن انكار الذات.  ومن هنا يأتي أهمية الاحتراس من تعدي ما هو طبيعي الي ما هو شاذ سواء في سلوكنا الشخصي او سلوك من نهتم بهم كقادة. 

 

انكار الذات ليس معناه كراهية الذات

انكار الذات معناه الخروج من السلوك الذي يتمركز حول النفس.  الخروج عن حياة طابعها الأنانية ولا مكان فيها للغير.  هذه الذاتية المتطرفة تتناقض مع روح المسيحية التي تدعونا الي محبة الآخر ليس فقط من يحسن الينا بل حتي من يسئ لنا.  وقد اعطى السيد المسيح مثالا لذلك السامري الغريب الجنس الذي صنع احسانا مع انسان وقع بين لصوص فعرّوه وجرّحوه وتركوه بين حي وميت.  وفي الوقت الذي مر بذلك الرجل بني جنسه ولم يساعدوه ولكن السامري تحنن عليه ونزل عن دابته وضمّد جراحاته ثم اركبه وأخذه الى حيث اعتني به وأنفق علي علاجه من أمواله.

هذه المحبة الباذلة هي علامة للمسيحية كما أرادها السيد المسيح.  ولكن المسيح لم يقصد ان محبتنا للآخر تعني ان نكره ذواتنا.  عندما أشار السيد المسيح الى محبة القريب وعندما أراد ان يضع معيارا لها قال "تحب قريبك كنفسك".  ذلك لأن كاره نفسه لا يستطيع ان يحب غيره.

 

صلب الجسد ليس معناه تعذيب اجسادنا

عندما قال الرسول بولس "ولكن الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات"غلاطية ٥: ٢٤ لم يكن يقصد صلب الجسد حرفيا.  وعندما قال " اقمع جسدي وأستعبده حتي بعد ما كرزت للآخرين لا أصير أنا نفسي مرفوضا".  ١ كو ٩: ٢٧ لم يكن يقصد التعذيب للجسد.  الجسد هنا تعبير رمزي عن كل ما هو متناقض مع الروح.  ويذكر الكتاب المقدس في غلاطية ٥ أعمال الجسد فيقول "واعمال الجسد ظاهرة التي هي زني عهارة نجاسة دعارة عبادة الاوثان سحر عداوة خصام غيرة سخط تحزّب شقاق بدعة حسد قتل سكر بطر وأمثال هذه"  هذه الاعمال لا يعملها الجسد بإرادة مستقلة عن الانسان.  الإرادة الحرة للإنسان تحرّك المخ والمخ يصدر أوامره للجسد فيتحرك ليفعل ما يريده الانسان.  ولذلك فتعذيب الجسد لا معني له لأن الجسد لا يعمل الا ما يريده الانسان.  هناك طبعا مكان للتدريبات التي تساعد علي التحكّم في رغبات الجسد ولكن بدون مغالاة تصل الي إيذاء الجسد.  ولنتذكر قول الرسول بولس بلسان الوحي "فإنه لم يبغض أحد جسده قط، بل يقوته ويربيه، كما الرب أيضا الكنيسة". أفسس ٥: ٢

 

الإحساس بالتواضع ليس معناه الشعور بالوضاعة

التواضع صفة جميله يجب ان يتحلى بها المسيحي ولكن التواضع ليس هو امتهان للكرامة ويختلف عن الإحساس بالوضاعة.  نحن أبناء ملك الملوك وكرامتنا من كرامته.  كان الرسول بولس حاصلا علي الجنسية الرومانية.  وكان المواطن الروماني له حقوق منها ان لا يعاقب قبل ان يحاكم وتثبت ادانته.  وفي ذات مرة مدوه ليضرب بالسياط فاعترض بولس بانه روماني غير مقضي عليه وأوقف عملية الجلد.  وفي مرة أخرى وضعوه في السجن ولما اكتشفوا براءته قرروا إخراجه من السجن ولكن بولس رفض الخروج قبل الإعلان الجهري بالبراءة قائلا "ضربونا جهرا غير مقضي علينا ونحن رجلان رومانيان وألقونا في السجن أفي الآن يطردوننا سرا؟ كلا بل ليأتوا هم أنفسهم ويخرجونا" أعمال ١٦: ٣٧

 

السلام مع الناس ليس معناه التفريط في الحقوق

طبعا من حق أي انسان أن يتنازل عن بعض حقوقه ليعيش في سلام.  ولكن ليس فرضا علي المسيحي ان يضحي بكل حقوقه في كل وقت كشرط من متطلبات ايمانه المسيحي.  هناك حقوق للمواطنة يحصل عليها المواطنون رغم اختلافهم في الديانة وهي ترتبط بالمساواة الكاملة أمام القانون.  ورغم وجود وصية إدارة الخد كرمز للتسامح ولكن بولس الرسول رفض ان تنتهك حقوقه فيضرب على الوجه.  بالمثل اعترض السيد المسيح عند ضربه قائلا "ان كنت قد تكلمت رديا فاشهد علي الردي وان حسنا فلماذا تضربني" يوحنا ١٨: ٢٣

 

كراهية الذات والإساءة لها لا يمكن ان تكون مخطط الله من ناحيتنا.  الله يحب الانسان ويريد له الخير وعندما سقط في الخطيئة دبّر له خلاصا كان ثمنه بذل ابنه الحبيب.  والله يريد للإنسان ان يعتني بنفسه ويكون صحيح النفس والجسد والروح.  قيل عن يوسف "كان الرب مع يوسف فكان رجلا ناجحا" تكوين ٣٩: ٢.  وفي هذا السياق يوصي الرسول يوحنا "أيها الحبيب في كل شيء أروم أن تكون ناجحا وصحيحا كما إن نفسك ناجحة" ٣ يوحنا ١: ٢

This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.