للحق لسان فصيح لا يسمعه المنحازون

بيومي قنديل 

   لست أدري السبب أو الأسباب التي حالت دون الأستاذ "وائل الأبراشي" الذي عودنا، خلال برنامجه "الحقيقة" على طرح أسئلة على جانب من الذكاء على ضيوفه، في سبيل كشف الحقيقة التي ينشدها، بكل تأكيد، مع مشاهديه و مستمعيه. هل السبب هو الخوف أو التردد أو خلاف ذلك. خطر لي هذا السؤال عقب مشاهدتي،

صدفة، للحلقة التي أذاعتها قناة "دريم" يوم الأحد  3 يونيو/ بؤونة7 200، و تناولت قضية الطبيب المصري "ممدوح فل" المحتجز حالياً في أحد سجون المملكة العريية السعودية بتهمة {التبشير بالمسيحية و الكفر و سب الديانة المحمدية(=الإسلام) و شرب الخمور...الخ}

و بطبيعة الحال لا تتأسس الأسئلة الذكية و نصف الذكية إلاَّ على إستنتاج صائب، أي على قفزة جريئة إنطلاقاً من ضفة ما هو معلوم، نحو ضفة ما هو مجهول، بقوة عقل يقظ، و ضمير حي. قفزة تكشف ما يحاول البعض إخفاءه، لكنه يأبى إلاَّ  الكشف عن نفسه، خلال زلات اللسان مرة و القصور الذاتي (inertia) للعادات العقلية/اللغوية مرات...الخ.   و

بادئ ذي بدء أرجو من جهات التحقيق، أن تتحفَّظ على شريط مسجلَّ للحلقة، ففيها قرائن قوية، إن لم أقل أدلة على استنتاجات أرجم بأنها صائبة إلى حدٍ كبير. وهي القرائن التي مرت أو مر بها مقدم البرنامج مرور الكرام، و هو الأمر الذي حفزَّني إلى كتابة هذه السطور، دفاعاً عن "مظلوم"، فخبرتي تٌعلمني، كم هو مرير أن يتعرَّض إنسان ما للظلم، و تتضاعف وطأة الظلم، عندما يأتي الظلم، ممن كان المظلوم ليتوقع وقوفهم إلى جواره، في سبيل دفعه عنه.   

أول عبارة استفزتني إلى ضرورة التعليق، وردت على لسان أحد الطبيبين الزميلين للطبيب "ممدوح فل". و كان سيادته يتحدث، كشاهد إثبات ـ و لا أود ذكر اسمه ـ من مكانٍ ما بالسعودية "الشقيقة" كي يشير إلى أن  د. "ممدوح فل" اقتحم عليه منزله فجراً و زعق عليه من أسفل العمارة و هو يقول:   ـ إنزل لما أضربك!و هنا كان على مقدم البرامج، لو انتبه إلى أن العبارة تريد أن تقول شيئاً يتناقض مع سياقها المنطقي، أن يسأل سيادته:   ـ و هل الضرب ممتع إلى هذا الحد بين الأطباء المصريين؟فمثل هذا السؤال، كان ليكشف أن في الأمر "صنعة/فبركة غير متقنة". فلم يحدث، منذ بدء التاريخ المدون في مصر، و المنطقة، و لربما فيما سيلي من آماد بعيدة، أن نبه ضارب محتمل مضروبه المحتمل إلى مكان و زمان ضربه، بهذا التحديد، و كأن الضرب معروف أو عمل نبيل يسديه الضارب للمضروب، طالما سلَّمنا بأن كليهما عاقلان، أي يتمتعان بالأهلية القانونية، و مسؤولين عن تصرفاتهما.

و لكننا إذا عدنا إلى الواقع الفعلي، و أنعشنا ذاكرتنا بأن الضرب عمل لا يرحب به أي مضروب طالما تمتع بالحد الأدنى من العقل. فإن أضعف ما يستطيعه المضروب المحتمل، أن يجري أو يقفز أو يختفي بأي صورة من الصور، و بذلك يفوِّت على غريمه فرصة تحقيق هدفه المرصود، و دع عنك، أقوى ما يستطيعه المرشح للضرب، من الصراخ بأعلى صوته أو استدعاء عزوته أو رجال البوليس الأشداء أو سحب سلاحه الشخصي من جرابه أو إلقاء ملء حلة من الماء الساخن على رأس غريمه، إذا كان هذا المرشح للضرب معدوداً بين "المعتدلين"...إلخو بطبيعة الحال يمكننا هنا أن نتصور عدداً لا نهائياً من الأسئلة شبه الذكية المماثلة التي لا يتعذر ورودها على ذهن أي تلميذ بالتعليم الأساسي، و ليس مقدم برنامج حاصل على درجة علمية بعد الثانوية العامة على الأقل، مثل:   ـ و هل نزلت إليه، حتى ينجز معك مهمته النبيلة؟   ـ هل "أكلت" العلقة صامتاً أم متبرماً أم مولولاً؟   ـ هل طلعت بمفردك إلى مضجعك، بعد تلقيك "العلقة" أم احتاج الأمر إلى طائرة اسعاف لنقلك من أسفل العمارة؟     

   كذلك لم يُلاحظ السيد مقدم البرنامج أن طبيباً من خصوم الدكتور المصري "ممدوح فُل" ـ أي خريج المرحلة الجامعية في مصر المحروسة، وصف الهندوس و السيخ ـ و نسي البوذيين ـ بأنهم "ناس من غير دين" في عبارته "الماسية":    ـ "السعودية مليانة ناس من غير دين زي الهندوس و السيخ..."و بطبيعة الحال، لست أدافع لا عن الهندوسية و لا السيخية، فالشكر للسماء، أن الهندوس لا يعرفون، بصفة عامة لغتنا، و كذلك السيخ، و لا أظن أن من تصادف منهم و عرفها يحرص على متابعة فضائياتنا، و "دريم" و برنامجها الذي يحمل عنواناً مفرطاً في طموحه: الحقيقة، و لست أملك دليلاً أقوى على الإفراط في الطموح من هذه الحلقة ذاتها. و لكنني أود أن أشير و حسب، إلى أن أبناءنا خريجي جامعاتنا، التي وضعها تقرير جامعة "شنغهاي" الصينية في مكانها الصحيح على خارطة جامعات العالم، متقدمه و متخلفه على حدٍ سواء، يُعدون "ضحايا" الجهل الفاضح الذي يُفرِّخ، ضمن ما يُفرِّخ، التعصـب المقيت. و هو تعصب يُؤسس لحقانية الذات:Self-righteousness . فالجهل الفاضح هنا هو المسؤول بصورة رئيسية عن تجريد الهندوسية و السيخية من كونهما ديانتين و لو أنهما غير سماويتين، و بالتحديد وضعيتين. و هذا ما يعرفه العالم أجمع شرقيه و غربيه، بما في ذلك أرجاء أخرى عديدة من العالم الإسلامي.

و هاتان الدياناتان، لا تنفردان في ذلك، إذ تقف إلى جانهما في هذا الصدد الديانة الزرادشتية التي يسمح الدستور الإيراني الصادر في سنة 1979، أي عقب ثورة آية الله روح الله خوميني نفسه لأتباعها بحرية ممارسة شعائرهم. و مثل هذا العقل المتعصب الذي ينتجه نسقنا التعليمي البائس ـ و الإعلامي الأشد بؤساً وراءه ـ هو عقل استبعاديexclusive بطبيعته و يستطيع، بل و يميل، و خصوصاً إذا توفر عامل مساعد كتنافر المصالح، إلى استحلال كل ما في حوزة صاحبه، في سبيل نفي "الآخر". و بطبيعة الحال، مثل هذا العقل لا يستشعر أي أخوة في الوطن أو القومية أو حتى العشيرة أو الأسرة الواحدة.    طالما قبلنا أن يكون د. "ممدوح فل" متمتعاً بكامل قواه العقلية أي مسؤولاً عن تصرفاته، صار لزاماً علينا أن نقف موقف التشكك من توجهه إلى قلب العالم الإسلامي، أي تلك الدولة التي تضم أراضيها "الكعبة" التي يحج إليها المسلمون سنوياً بالملايين، فضلاً عن قبر الرسول الكريم. فمثل هذه الخطوة، تنطوي على "غزو"، لا أظن أن شخصاً واحداً يجرؤ على التفكير في القيام به، و خصوصاً إذا كان أعزل، لا تقف وراءه في ذلك أي مواثيق دولية.   وفقاً للمبدأ القانوني المعروف باسم:habeas Corpus ، أي "الحصانة الذاتية"، كان ينبغي على السلطات السعودية أن تنظر، في بحر أربعٍ و عشرين ساعة في مدى شرعية حبس الدكتور "ممدوح فُل"، كما كان ينبغي على سفارة بلاده أو قنصليتها أن تقف وراء هذا المطلب المشروع: إما تقديمه إلى القضاء أو إخلاء سبيله فوراً. و إلاّ يكون الحبس قد منح فرصة ذهبية لمن يذهب إلى أنه يهدف إلى منح خصوم الدكتور المصري "ممدوح فُل" فسحة طيبة من الوقت لممارسة ضغوطٍ  مكثفة على شهود النفي. خصوصاً و أن استبعاد ذلك  يجعل من استمرارالحبس أمراً مستعصياً على التفسير.   و استكمالاً لتهمة التبشير بالمسيحية في السعودية، و هو ما يستحق لو حدث أن يتفوق على نوادر الملا "نصر الدين" (=جحا) و يعلو على الاندراج في موسوعة "جينيس" معاً، يقول خصوم الدكتور المصري، من الدكاترة "المصريين" ـ و يا ضيعة الكنانة التي عرفت أول دولة/قومية في التاريخ الإنساني بأسره ـ أنه حاول صرف إحدى الممرضات المصريات عن دينها إلى الديانة المسيحية، و لكن الدكتور غريم الدكتور "ممدوح فُل" أكد أنها لا تريد أن تدلي بشهادتها خوفاً من "قتل أهلها" لها ـ و أيده في ذلك زميلاه الآخران، من كان هناك على التليفون و من تواجد هنا إلى جوار السيد مقدم البرنامج ـ.

و معنى القول، إذا قبلنا منهم ذلك التأكيد، أنهم لا يملكون دليلاً واحداً على صدق دعواهم، و هم يعرفون أو ينبغي عليهم، أن المبدأ الشرعي، الذي أرساه "ابن الخطاب" رضي الله عنه، في رواية موثقة يقضي بـ "أن البينة على من إدعى و اليمين على من أنكر". أما إذا التفتنا إلى ما ذكره الدكتور المصري "ممدوح فُل" حول امتلاك هذه الممرضة من الشجاعة و النزاهة و الضمير الحي و بُغض الظلم، بل و لربما أيضاً مقاومة الضغوط، ما يُمكنها من الوقوف كـ "شاهد نفي"، فإن المرء، لا يجد مناصاً من الخلوص إلى هذه النتيجة:    الأمر ليس أمر تبشير بالمسيحية و لا سبٍ للديانة الرسمية للبلاد و لا أي شيئ آخر، سوى "غيرة ولاد الكار"، بتعبير "الأميين المصريين"، الذين أرفعهم باستمرار خلال كتاباتي إلى مصاف أعلى كثيراً من "المتعلمين المصريين" المعاصرين.

و يتأكد ذلك خلال "زلة اللسان" التي وقعت عفو الخاطر من أحد الزملاء الثلاثة للدكتور المصري "ممدوح فُل" عندما اعترف:   ـ الدكتور "ممدوح فُل" كان "فرخة بكشك عند الكفيل صاحب المستوصف و كان بيشتغل باطنة و نسا و جراحة ...الخ، و ظل كذلك حتى "سب الدين"!   "دا هو البير و غطاه".   و لعل أغرب ما ورد في هذه الحلقة، من اتهامات و أشده إثارة للذهول، هو  تلويح السيد مقدم البرنامج بإتهام الدكتور المصري "ممدوح فُل"، الذي يتهمه زملاؤه بالتبشير و سب الدين و إغلاق الراديو الذي يُذيع آي الذكر الحكيم... الخ، بتحويل القضية إلى منطقة الفتنة الطائفية، و تمزيق الوحدة الوطنية. فلقد كان أكثر منطقية أن يُوجه السيد مقدم البرنامج هذا الاتهام إلى الطرف الآخر، أي زملاء العمل، الذين كان يتعين على السيد مقدم البرنامج أن يفترض من فوره إحتمال أن يكونوا قد حولوا خلافاً مهنياً بحتاً، يقفون فيه موقف الضعف إلى اتهام يظنون أنهم يستطيعون أن يصولوا فيه و يجولوا و يحققوا في نهاية المطاف نصراً عجزوا عن تحقيقه على رجل يُتقن عمله دونهم.فهذا واضح وضوح الضحى العالي من قائمة الإتهامات الموجهة إلى د. فُل، فهي اتهامات لا تتعرض بخير و لا بشر للدكتور "فل" كطبيب، و تقع كلها خارج نطاق "الممارسة الطبية"، التي تُعد المجال الأكثر مدعاة للخلاف بين زملاء عمل من الأطباء.  

و بخصوص "الاتصال بالسفارة الأمريكية"، و هو الموضوع الذي أثاره السيد مقدم البرنامج، استناداً إلى معلوماتٍ استقاها من خصوم الدكتور المصري،  على اعتبار أنه تهديد لوَّح به الدكتور المصري لهم، فإنني لا أقر كمبدأ الاتصال بأي جهة أجنبية بهدف استعداءها على وطني. و لكن الترفع عن إجراء مثل هذا الاتصال يفرض على السفارة المصرية أن تؤدي ما يفرضه عليها دورها كممثلٍ و راعٍ للمصريين، كل المصريين، في مختلف علاقاتهم مع كافة الخاضعين لقوانين الدولة المضيفة سواء أكانوا مواطنين أم مقيمين، بأي صورة من صور الإقامة. و كان الأولى بالسيد مقدم البرنامج أن يتساءل حول هذا الدور حتى لا يتلقى من د. "ممدوح فُل” ذلك الرد الذي لم يستطع أن يفتح فمه بكلمة واحدة تعقيباً عليه:    ـ ما اتصلت ش بأي سفارة لحد دا الوقت لاكن ح اتصل!     أما ما لم أفهمه فهو استضافة السيد مقدم البرنامج لشقيق الدكتور المصري "ممدوح فُل"، دون أن يُعطيه من الوقت للتعليق أكثر من "كذا"  فيمتوثانية!   و إذا كان لي أن أوجه نصيحة ما إلى أحد هنا فهي:   أولى بكم أن تتفرغوا لإتقان عملكم فـ "الإتقان فضيلة"، حضنا عليها رسولنا الكريم في حديث لا أظن أنني بحاجة إلى أن أذكركم به في هذا التعليق السريع، حتى و لو كان هذا الإتقان في "الطبيخ".    و ليقبل الجميع أسفي للمستوى الذي انحدر إليه خريجو "جامعاتنا" و القوسان هنا بهدف واضح: التحفظ.   


© 2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com