تشــجيع الصـــدام
بقلم د. ليلي تكلا
بينا أن الأديان لا تتصادم بسبب العقيدة لكنها تستغل لإشعال صراعات لها دوافع أخري يسعي إليها الإنسان وليس الإيمان والإنسان يتأثر بما حوله من نظم, ومن مناخ ثقافي وسلوك وقوانين ومواقف رسمية. والعاقل الذي يسعي لوضع حد لأي صراع, يبحث عن أسبابه وعما يشجعه لمعالجة المشكلة من المنبع.
لقد تألم الشعب المصري كله, ليس مرة أو مرتين, لكن مرات متعددة ومتكررة لما يحدث من اعتداءات علي بعض المواطنين الضاربة جذورهم في تاريخ مصر, أسهموا ـ ومازالوا يسهمون ـ في التنمية والدفاع والعطاء, يعتدي عليهم لا لسبب سوي انهم مسيحيون.. حوادث وقعت وهم يصلون في الكنائس, ووقعت لأنهم يصلون في غير الكنائس.. يتألم الجميع ويموت البعض. تعقد جلسة الصلح, وتسود هدنة مؤقتة تنفجر بعدها جرائم جديدة... لماذا؟!.
***
بينا أنه ليس في الإسلام ما يدعو إلي هذا العنف, واثبتنا بالآيات والأحاديث والسنة حق المسيحيين في ممارسة شعائرهم.. وقدمنا في مجلس الشعب, ثم في مجلس حقوق الإنسان أكثر من مشروع موحد لبناء دور العبادة, تؤخذ اليوم بجدية واهتمام غير مسبوق. كما أصبحت المواطنة مطلبا دستوريا. ولدينا قيادة عليا لا تعرف التعصب, حركت أمورا كانت راكدة. وأعلم يقينا أن الرئيس يوافق علي ما يعرض عليه من طلبات لبناء الكنائس, لكن الكثير منها لا يصل الرئاسة, ولعل الذين يعرقلون لا يدركون عواقب ما يفعلون.
لقد تبين أن الاهتمام وحده لن يجدي, والقانون وحده ليس الحل, طالما هناك عوامل تشجع علي عصيان الدولة وعصيان الأديان. نذكر منها:
* أغلب هذه الحوادث ترتبط بأن بعض المسيحيين تجاسروا وحاولوا الصلاة قي منزل لعدم وجود كنيسة يصلون فيها. مما يؤكد أن ما يحدث من شغب هو ليس بسبب بناء كنائس بل علي العكس بسبب عدم بناء كنائس. هل يعقل أن تصبح الصلاة مجازفة محفوفة بالمخاطر وهي تكليف إلهي؟ لماذا ننتظر لتكرار هذه المآسي لنبكي ونشكو ثم نتصالح تاركين النار تسري في الهشيم فتصيب الكل بلا تفرقة؟
* إن تعقيد تصاريح بناء الكنائس يجعل الصلاة خارجها أمرا غير قانوني.. مما يدعم أن القبطي ليس له حقوق غيره. فيأخذ البعض الأمر بيده ولايري غضاضة فيما ارتكب من جرم.. خاصة أن هناك مناخا يشجعه علي ذلك.
* إن غالبية كبيرة من المسلمين لا يعلمون أن عقيدتهم تعطي المسيحيين حق ممارسة شعائرهم الدينية.. وكثير من رجال الدين يتصرفون وكأنهم هم أيضا لايعرفون, بل بعضهم يعلن ذلك في ميكروفونات بأسلوب لايقبله أي مواطن مخلص, مسلما كان أو مسيحيا.
هذا الواقع يقتضي أمرين: أن توزع وزارة الأوقاف للوعاظ نشرة تتضمن رأي الاسلام في ممارسة المسيحيين لشعائرهم ولنا في ذلك دراسة يمكن تقديمها. ونزع الميكروفونات التي تبث سموم الكراهية وعبارات الإهانة وهذه مسئولية أمنية.
* إن أكثر من عشرين اعتداء ارتكب يوم الجمعة بعد الصلاة, مما يشير إلي احتمال وجود علاقة سببية بين أقوال الخطيب وسلوك المعتدين.. فهل مع بين الوعاظ ـ مع الاعتراف أن بينهم أفاضل كثيرين ـ من يثير المشاعر فيخرج المصلون يهتفون بالدعوة للجهاد, يضربون ويحرقون ويقتلون وهم يتصورون أن ما يفعلونه أمر شرعي أو فرض ديني مطلوب؟
* هذه الحوادث منذ الخانكة إلي العياط مرورا بالكشح والمنيا والإسكندرية والعدسات.. لايعاقب مرتكبوها مما يعطي انطباعا أنها ليست جريمة. إن براءة المعتدين تعتبر إشارة من الدولة أن هذا العمل مباح لا عقوبة عليه. إنها رخصة للقتلة أن يتمادوا ولأهل القتيل بالقصاص لأنفسم. إن تنازل أهل القتيل عن حقوقهم عن خوف أو قهر, أو عن محبة وتسامح لايسقط حق الدولة في القصاص.
* من المسئول عن تعويض المنكوبين عن الأضرار البدنية والمادية والنفسية من تدمير وحرق المنازل والأثاث واختفاء المنقولات... الخ إن الدولة مسئولة عن حفظ الأمن وحماية المواطنين ولا بديل للمساءلة والمحاسبة والتعويض.
* إن تكرار الإشارة إلي ثراء بعض الأقباط يفتقر للياقة واللباقة, يطرح وكأنه أمر عجب غير مفروض أو غير مرغوب, ولا يصلح ردا علي ما يثار من تفاوت المعاملة بالنسبة لوظائف الدولة ومناصبها( التي نعترف أنها تصحح تدريجيا) لقد أغلقت أبواب في وجه بعض المواطنين وفتح الله لهم غيرها نجحوا فيها بالكفاءة والجدية ويدفعون عنها الضرائب كاملة. إن إقحام الانتماء الديني يعمل علي تقسيم المجتمع والمفاضلة, في مجال نجح فيه مصريون وكثيرون كلهم أمام القانون سواء ولابد أن يكونوا أمام الرأي العام سواء.
لماذا يطالبب المواطن بتحديد ديانته عند تقديم الطلبات؟
***
إن الحاجة ملحة لعلاج هذه الاعتبارات التي تدعو للصدام وتشجعه حتي تسود الحقيقة بأن المسيحي مواطن له نفس الحقوق ويؤدي نفس الواجبات, وأن الإسلام, يفرض احترامه وحماية حقه في إقامة الشعائر.
هذا المفهوم ـ مع الأسف ـ غير موجود حتي بين الأوساط المتعلمة وبين الآلاف الذين تكتظ بهم أجهزة الدولة, وإن كانت أغلبية القيادات تستوعبه. وبدون سيادة ذلك المفهوم فلن تكون هناك سيادة قانون.
ومادام القانون لا يسود, ونص الدستور عن المواطنة لا يطبق, والمفاهيم لا تصحح, والمنحرف لا يعاقب, والمهمل لا يلتزم بالتعويض, فسوف تتكرر الاعتداءات حفظ الله مصر إنه خير حافظا.