Print

السعودية والوهابية وانتشار الفاشية الدينية  

 

نشرت مجلة ميدل ايست مونيتر-MidEast Monitor  (عدد يونيو \ يوليو 2007) دراسة تحليليه للسفير الأميريكي السابق لدى كوستريكا ( كورتين وينزر)، والمبعوث الخاص للشرق الأوسط في بداية عهد الرئيس الأمريكي رونالد ريجان، بعنوان "السعودية والوهابية وانتشار الفاشية الدينية السنية"، استهلها بالقول إنه على الرغم من النجاح الذي حققته الولايات المتحدة حتى الآن في تدمير البنية التحتية لتنظيم القاعدة وشبكاتها الإرهابية.

 

 

إلا أن عملية "التفريخ الأيديولوجي" للقاعدة ما يزال مستمرا على المستوى العالمي وإن جهود أمريكا لمواجهتها تظل قاصرة لأن مركز دعمها الأيديولوجي والمالي هو السعودية التي تقيم فيها العائلة الملكية الموالية للغرب ولسنوات طويلة تحالفا مع الوهابية الأسلامية، كما تحرص على تمويل انتشار الوهابية الى بلدان العالم بما فيها الولايات المتحدة، وإن إدارة الرئيس جورج بوش لم تبذل الجهد اللازم لمجابهة هذا الانتشار بسبب اعتمادها على النفط السعودي والخوف من عدم استقرار المملكة والاعتقاد بأن دعم أمريكا للديمقراطية سيكون كافيا لمواجهة  التطرف الديني، بألاضافة الى هاجس المواجهه مع أيران.

 

 

تاريخ الوهابية
ويستعرض وينزر تأريخ نشأة الحركة الوهابية ودور الشيخ محمد بن عبد الوهاب في  مزج قوة الدولة بالعقيدة في أطار الخلافة الإسلامية، مشيرا إلى العام  1744 م كبداية لنشوء التحالف التأريخي بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب وآل سعود والذي مكن الأخير من بسط نفوذه، مقابل دعمه لأتباع عبدالوهاب في رسالتهم "لتطهير الأرض من الكفار".

 

وتحت رايات هذه الرسالة، يقول وينزر، قام محاربو الوهابيه-السعودية في عام 1801م بغزو ما يعرف اليوم بالعراق حيث اجتاحوا مدينة كربلاء المقدسة لدى الشيعة ونهبوها وقتلوا 4000 من أبنائها. وبعد سيطرة آل سعود على مكة والمدينة في العشرينيات من القرن الماضي، قاموا بتدمير الأضرحة مثل مقبرة جنات البقيع التي دمرت في عام 1925م وكانت تحوي رفات أربعة من أئمة الشيعة الأثني عشرية.

 

 وبعد قيام المملكة العربية السعودية في العام 1932م  منح رجال الدين الوهابيون اليد الطولى في إدارة الشئون الدينية والتعليمية. وظلت الوهابية محصورة في الجزيرة العربيه حتى الستينات من القرن الماضي عندما نزح اليها عدد من الأخوان المسلمين من أتباع سيد قطب هربا من بطش نظام جمال عبد الناصر ونشأ حينذاك التحالف السلفي- الوهابي وتبنيه "الجهاد" ضد الحكومات العلمانية "الكافرة".

 

ويقول وينزر "إن التلاقح بين الوهابية المحافظة اجتماعيا وثقافيا بالقطبية (سيد قطب) السياسية الراديكالية أنتج الإسلام السياسي الوهابي الذي بدوره أنتج تنظيم القاعدة". ويشير وينزر إلى تميز الوهابية عن باقي الاتجاهات الأسلامية الراديكالية بالتشدد في تطبيق الشريعة وإنكار الحريات الفردية وحقوق المرأة والتكفير والتقليل من أهمية الحياة الإنسانية والتحريض بالعنف ضد "الكفار".

 

 

الشمولية الدينية السنية
ويستخدم وينزر تعبير"الشمولية الدينية السنية" وهو المصطلح الذي أطلقه مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية الأسبق جيمس وولسي لوصف محاولات الحركات الراديكالية بسط سيطرتها على دقائق الأمور الحياتيه اليومية للمسلمين من جهة وطموحاتها في النفوذ على المستوى العالمي من جهة أخرى، ومعارضتها لأية محاولة للمشاركه السياسية ضمن الأطر الديمقراطية المعترف بها محليا ودوليا، حيث يورد وينزر دليلا على ذلك في  موقف أيمن الظواهري (الرجل الثاني في القاعدة) المعارض لمشاركة حركة حماس في الانتخابات والسلطة الفلسطينية ومشاركة الأخوان المسلمين في مصر في الأنتخابات السابقة.

 

وبعد أحداث الحرم المكي في عام 1979م  بحثت عائلة آل سعود والمؤسسة الدينية عن قضية لإشغال المتشددين وصرف أنظارهم بعيدا عما يدور في المملكة فوجدوا في الغزو السوفيتي لأفغانستان ضالتهم وقاموا بتمويل وإرسال الآلاف من المجاهدين السعوديين والعرب لمساعدة المجاهدين الأفغان في قتالهم ضد السوفييت بالتنسيق مع الاستخبارات الباكستانية والأمريكية كما قاموا بإنشاء المدارس الدينية الوهابية للاجئين الأفغان في الباكستان وهي نفس المدارس التي أنشأت طالبان التي سيطرت على كابول في 1996م.

 

وعقب اندحار السوفيت توزع "العرب الأفغان" على بلدان عديدة مشكلين خلايا لما يعرف اليوم بتنظيم القاعدة.

 

 

اتفاق تركي الفيصل مع بن لادن
وفي البداية – يقول وينزر – اختارت القاعدة السودان كمقر رئيسي لها ولكن عقب انتصار طالبان في 1996م انتقلت القيادة الى كابول لإقامة دولة وهابية نموذجية. ويضيف وينزر أنه "تحت الضغط الأمريكي أسقطت العائلة الملكية السعودية الجنسية عن أسامه بن لادن، ولكنها أبقت على الجمعيات الخيرية التي وفرت الدعم المالي للقاعدة".

 

ويقول وينزر إنه يسود الاعتقاد بأن أسامة بن لادن قد وقع في منتصف التسعينات اتفاقا مع الأمير تركي الفيصل المدير السابق للاستخبارات السعودية تلتزم فيه القاعدة بعدم مهاجمة المملكة ومسئوليها مقابل الكف عن ملاحقة بن لادن شخصيا أو المساس بقنوات التمويل المالي للقاعدة.

 

وهذا يفسر سبب عدم تعرض المملكة لأي هجوم من القاعدة حتى أحداث 11 سبتمبر، ولكن بعد قيام السلطات السعودية تحت ضغط واشنطن بملاحقة أنصار القاعدة وحدثت مواجهات بين الشرطة والإسلاميين المسلحين بصورة متقطعة منذ مايو 2003م ، ولكن على الرغم من ذلك، يقول وينزر، أظهرت القاعدة التزاما باتفاقها مع المملكة ويفسر ذلك تنقل المئات من أفراد العائلة الملكية السعودية بكل حرية دونما خوف من الاغتيالات كما أن المنشآت النفطية السعودية لم تستهدف سوى مرة واحدة وبصورة طفيفه. ومقابل ذلك استمرت المملكة في دعم انتشار الوهابية ومدارسها التي استمرت هي الأخرى في تخريج متطوعين للقاعدة.

 

 

المناهج السعودية
ويشير وينزر إلى أن أكثر من ثلث المناهج الدراسية في المدارس السعودية مكرس لتعاليم الوهابية، حيث يتضمن أحد الكتب المدرسية للصف التاسع عبارات مثل "لن تقوم القيامة حتى يقتل المسلمون جميع اليهود" ، وجاء في كتاب مدرسي آخر "أنه من واجب المسلمين اعتبار الكفار أعداء لهم ".

 

وعلى الرغم من تأكيدات السلطات السعودية بحذف تلك  العبارات، إلا أن تقريرا نشرته (Freedom House)  في العام الماضي أشار إلى أنه مازالت الكتب المدرسية السعودية تتضمن عبارات تحث على الكراهية والعداء ضد الآخرين من مسيحيين ويهود وهندوس وشيعه وحتى السنة الذين لا يتبعون المبدأ الوهابي.

 

 وفي شريط صوتي أذيع في أبريل 2006م أدان أسامه بن لادن تدخل الغرب في المناهج الدراسية للسعودية. ويورد وينزر مثلا على استمرار بث تعاليم الكراهية تلك في الفتوي التي أصدرها عبد الرحمن البراك (وهو رجل دين سعودي مقرب من آل سعود) ضد الشيعة بأنهم "مجموعة شيطانية أكثر خطرا من اليهود و المسيحيين" وقد نشرت ذلك وكالة الأسوشيتد برس يوم 29 ديسمبر 2006م.

 

وفي عام 2004م أصدر 26  من علماء الدين السعوديين الذين يتبوأون مناصب تدريسية في جامعات سعودية تابعة للدولة  فتوى دعوا فيها الى الجهاد ضد القوات الأمريكية في العراق. وبعده بأشهر أصدرت مجموعة سعودية معارضة شريط فيديو يظهر فيه صالح بن محمد اللحيدان رئيس قضاة المجلس الأعلى للقضاء يشرح للشباب في أحد المساجد الحكومية كيفية الدخول الى العراق ومقاتلة القوات الأمريكية هناك وطمأنهم بأنه لن يقبض عليهم عند عودتهم من العراق.

 

فتاوى الجهاد
وقد بثت قناة (MSNBC, 26 April 2005 ) التلفزيونية ذلك الخبر، وعلى الرغم من تنازل اللحيدان عن فتواه، إلا أن العديد من رجال الدين السعوديين استمروا في إطلاق الفتاوى التي تحث على الجهاد في العراق وغيرها.

 

ويورد وينزر مثلا على ذلك شريط فيديو بثه الموقع الالكتروني لمعهد الشرق الأوسط للإعلام (ميمري) بتاريخ 4 مايو 2006م يظهر فيه رجل الدين السعودي ناصر بن سليمان العمر وهو يدعو الى الجهاد في افغانستان وفلسطين والعراق والفلبين.

 

ويورد وينزر على لسان اليكسي اليكسيف أثناء جلسة الاستماع أمام لجنة العدل التابعة لمجلس الشيوخ في 26 يونيو 2003م  بأن "السعودية أنفقت 87 بليون دولار خلال العقدين الماضيين لنشر الوهابية في العالم"، وأنه يعتقد أن مستوى التمويل قد ارتفع في العامين الماضيين نظرا لارتفاع أسعار النفط .

 

ويجري وينزر مقارنة بين هذا المستوى من الإنفاق بما أنفقه الحزب الشيوعي السوفيتي لنشر أيديولوجيته في العالم بين 1921 و1991م حيث لم يتجاوز الـ 7 بليون دولار. ويلاحظ وينزر جهود نشر الوهابية في عدد من بلدان جنوب شرق اسيا، وأفريقيا والدول الغربية من خلال بناء المساجد والمدارس الدينية والمشروعات الخيرية واستقطاب الشباب العاطل والمهاجرين في هذه البلدان.

 

وتقول هذه الدراسة إن خريجي المدارس الوهابية كانوا وراء الأعمال الإرهابية مثل تفجيرات لندن في يوليو 2005م واغتيال الفنان تيودور فان جوخ الهولندي عام 2004م.

 

 

الوهابية في أمريكا
ويشير وينزر الى نشاط نشر الوهابية في الولايات المتحدة من خلال المساجد والمدارس التي تمولها السعودية.

 

ويقول إن احد الكتب التي تحمل ختم السفارة السعودية بواشنطن ووزع على مسجد الملك فهد في  مدينة لوس أنجليس ترشد المسلمين في أمريكا إلى "عدم الاختلاط بالكفار ومقت ديانتهم وعدم الاعتماد عليهم أو التشبه بهم، مع واجب معارضتهم بكل السبل بحسب القانون الأسلامي". و"كل من يساعد الكفار ضد المسلمين مهما كان نوع وحجم هذه المساعدة فهو كافر"، و"لا تكن البادئ بإلقاء التحية على اليهودي أو النصراني ولا تبادلهم التهاني بأعيادهم ولا تصادقهم، الا اذا كان القصد إدخالهم في دين الأسلام، ولا تتشبه بهم ولا تعمل لصالحهم ولا تلبس لباس حفل التخرج لأن ذلك يشبهك بهم".

 

كما تشير الدراسة إلى دور منظمات تدعمها السعودية مثل المجلس الإسلامي الأمريكي وجامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية في إرسال الواعظين إلى السجون الأمريكية واللقاء بالمساجين المسلمين فيها، ويورد مثلا على ذلك دور "الإمام دين عمر" في نيويورك وهو أمريكي أشهر أسلامة وتخرج من تلك الجامعة وزار السعودية مرتين كما قام بتوظيف واعظين لزيارة أكثر من 1300 سجين مسلم في نيويورك.

 

وبحسب إفادة جون بيستول مساعد مدير مكتب التحقيقات الفيدراليه لمكافحة الإرهاب أمام لجنة مجلس الشيوخ في 14 اكتوبر 2003م فإن الإمام دين عمر لم يسمح للسجناء بمقابلة واعظين آخرين من غير الوهابيين  أو الحصول على كتب إسلامية غير وهابية  كما أنه قام بتحريض المساجين ضد أمريكا من خلال قوله بأن منفذي أحداث 11 سبتمبر هم شهداء وأبطال.

 

ويقول وينزر إنه على الرغم من عدم توفر الأدلة الكاملة على أن القاعدة قامت بتأطير مساجين الى عضويتها، إلا أن خوسيه باديلا المعتقل منذ عام 2002م بتهمة محاولة تفجير القنبلة المشعة، قد اعتنق الإسلام وهو في السجن وكذا الحال بالنسبة للبريطاني ريتشارد ريد "مفجر الحذاء" و أبو مصعب الزرقاوي عندما كان في الأردن .

 

وتشير الدراسة الى قيام السعودية باستضافة 100 من الواعظين المسلمين العاملين في القوات الأمريكية سنويا خلال موسم الحج وذلك من خلال المجلس الإسلامي الأمريكي وجمعية مسلمي شمال أمريكا (أسنا)، كما يقوم معهد الدراسات العربيه والإسلامية بتعليم هولاء الواعظين وعائلتهم اللغة العربية والديانة الإسلامية.

 

 وبحسب صحيفة وول ستريت جورنال (3 ديسمبر 2003م) فإن المعهد "يبث روح التشدد وعدم التسامح ومعاداة الغرب".

 

ويقول وينزر إنه بالرغم من تأكيد السفير السعودي في واشنطن في العام الماضي بالقيام بمراجعة نشاطات هذه المعاهد والمؤسسات إلا أن "هم السعوديين هو تفادي الصورة الإعلامية السيئة أكثر من التخلي عن هيمنتهم على المؤسسات الإسلامية في أمريكا".

 

وتختتم الدراسة بتوجيه الانتقاد لإدارة الرئيس بوش "لعدم ممارستها الضغط على السعوديين لمنع انتشار الوهابية". ويرجع سبب هذا التقاعس الى الاعتماد على النفط والمخزون النفطي الهائل في السعودية، وإلى الأعتقاد بأن الضغط على السعودية لمجابهة الوهابية سيتسبب في عدم استقرار المملكة وازدياد الأعمال الإرهابية ضد المنشآت النفطية الحيوية أو أن البديل لانهيار النظام في السعودية سيكون كارثيا ولصالح المتشددين الوهابيين أو أن إيران ستقوى في المنطقة في حال ضعفت السعودية.

 

وحاول وينزر تفنيد خطأ هذه الاعتقادات بالقول إن مواجهة المد الوهابي عالميا لن يدفع السعودية إلى قطع امدادات النفط إلى الاقتصاد العالمي، كما أن المتشددين الوهابين يستخدمون حظوة المملكة لدى أمريكا والغرب كغطاء يؤمن لهم النشاط بحرية، أو كما يقول مؤلف الدراسة وينزر بأن " الوهابيين يعتبرون المملكة وحقول نفطها  بمثابة الوزة التي تبيض ذهبا".

 

أما موضوع الهاجس الإيراني فيخلص وينزر بعد مقارنات تفصيلية بين الوهابيين والشيعة إلى أنه ليس لدى الحكومة  الشيعية في إيران نفس طموحات السعوديين في نشر المذهب الشيعي على المستوى العالمي مقارنة بجهود نشر الوهابية، وأن اهتمام إيران مركزعلى تقوية نظامها بامتلاك السلاح النووي لتسيطر بهذا التفوق على المنطقة وذلك على حساب السعودية وهو ما سيحد من انتشار الوهابيه بالمحصلة النهائية