خرافة الإسلاموفوبيا

عبدالخالق حسين  

قرأنا وسمعنا الكثير عما اصطلح عليه بـ (الاسلاموفوبيا Islamophobia) أي الخوف من الاسلام، والادعاء بأن الاستخبارات الغربية هي التي اخترعت هذا المصطلح لإثارة مخاوف شعوبها من الاسلام بعد زوال خطر الشيوعية بانتهاء الحرب الباردة وسقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفيتي والكتلة الاشتراكية في أوربا الشرقية. وتضيف الفرضية، أن الغرب دائماً يحتاج إلى عدو مشترك للحفاظ على تماسكه وتحالف حكوماته عن طريق إثارة مخاوف شعوبه بخطر داهم، وأن الخطر الشيوعي السوفيتي قد خدم هذا الغرض نحو نصف قرن من الزمان، أي منذ انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية عام 1945 على النازية والفاشية إلى انهيار المعسكر الاشتراكي عام 1991

ولكن يا ترى من أين جاء مصطلح الاسلاموفوبيا؟ ومن المستفيد منه؟ ومن يهدد من؟ وهل حقاً يخاف الغرب من الاسلام؟ وإذا كان حقاً هناك خوف في الغرب من الاسلام، فأي إسلام هذا الذي يخافه الغرب؟ هل هو الاسلام كدين أو الاسلام السياسي الذي أنتج الارهابيين الذين يرتكبون جرائمهم البشعة بحق الانسانية  باسم الاسلام؟ ومن هو المتضرر أكثر من هذه الجرائم، أهو الغرب أم الشعوب والدول الاسلامية؟ ومن المستفيد أكثر من شن الحرب على الارهاب الاسلامي، أليس العرب خاصة، والمسلمون عامة؟

من وراء الاسلاموفوفبيا؟

وإذا كان الغربيون فعلاً يخافون من الاسلام، فمن المسبب لهذا الخوف؟ أليس المسلمون أنفسهم؟ نحن نعرف أن العرب مصابون بمرض عضال لا أمل في شفائه، يدعى بـ(نظرية المؤامرة). فالعرب يشعرون أنهم متخلفون جداً ويعادون الحضارة الحديثة، وليس عندهم ما يقدمونه للعالم سوى النفط والارهاب والتخريب. والمشكلة أنهم رغم تخلفهم المريع، وجهلهم، حيث بلغت نسبة الامية الابجدية نحو 60% في صفوفهم، والامية الثقافية ربما بحدود الـ 90%، ولكن مع ذلك فإنهم يعتقدون بأنهم خير أمة أخرجت للناس، وأنهم أثقف الشعوب وأفضلها، وأن هذا الغرب بما عنده من علوم وتكنولوجيا وحداثة وفلسفة وحضارة وديمقراطية وحقوق الانسان، كلها تعتبر جاهلية حسب نظرية سيد قطب والتي هي التعبير الواضح والصريح لما هو سائد عند المسلمين إزاء الغرب. لذلك فإذا قلت لهم أنهم متخلفون، سرعان ما يصرخون بوجهك قائلين أن الغرب هو سبب تخلفنا، إنه الامبريالية الغربية والصهيونية والصليبية... الخ وهؤلاء جميعاً يصنفون في خانة واحدة وهي "ملة الكفر واحدة"، يريدون القضاء على الاسلام والمسلمين ونهب خيراتهم!! وهذه النظرية هي الاخرى ساهمت إلى حد كبير في شحن الشباب المسلم بالكراهية والعداء للغرب والانخراط في الارهاب.

المشكلة أن هذه الدعوات لن نسمعها من دعاة الاسلام السياسي فحسب، بل وحتى من قبل كتاب محسوبين على التيار الديمقراطي والعلماني، بل وحتى الليبرالي. وعلى سيبل المثال لا الحصر، قرأت للكاتب الليبرالي السيد ولد أباه، مقالة في الشرق الاوسط، بعنوان (الاسلاموفوبيا الجديدة في الغرب.. واليسار المحافظ الجديد) يلقي اللوم في الاسلاموفوبيا على الغرب وليس على الاسلام السياسي الذي صنع الارهاب، فيقول: ".. وما نريد أن نبينه هو أن هذه الصورة النمطية السلبية أطرتها ثلاثة مكونات هي: اتجاه المحافظين الجدد في الولايات المتحدة، والتيار الادبي الانكليزي الذي أطلق عليه ضياء الدين سردار عبارة "المحافظين الادبيين البريطانيين" blitcons، والمفكرين اليساريين الفرنسيين المنحدرين من مجموعة "الفلاسفة الجدد" الذين تحولوا في الاونة الاخيرة الى الموقع المحافظ ودعموا الرئيس اليميني الجديد ساركوزي." (الشرق الاوسط، 20/7/2007). ويؤاخذ الكاتب هذه الجهات الثلاث على: "اعتبار الاسلام الخطر الاكبر الذي يتهدد الحضارة الغربية كما هو بارز من رواية سلمان رشدي الاخيرة "تشاليمار" ببطلها الارهابي المسلم الذي لا هم له سوى ارغام الناس على بناء المساجد وإخفاء النساء تحت البراقع، وكما هو واضح في رواية آميس "الايام الاخيرة لمحمد عطا" التي يفسر فيها الخلفية الارهابية لبطله (أحد الانتحاريين الذين اشتركوا في تفجيرات أبراج نيويورك) بكرهه للنساء الذي استقاه بزعمه الكاذب من القرآن الكريم وسيرة نبي الاسلام." (نفس المصدر).

ولكن السؤال هو: هل هذه الاقوال التي اقتبسها الكاتب من الروايات المذكورة، حقيقة يمارسها المسلمون، أم افتراء على الاسلام؟ أليس المسلمون هم الذين يطالبون بحجاب المرأة ويقولون أنها ناقصة عقل ودين ويحطون من قدرها؟ الا يستشهد المسلمون بأحاديث ينسبونها إلى النبي محمد (ص) مثل قوله: [ " لا يفعلن أحدكم أمراً حتى يستشير، فإن لم يجد من يشيره فليستشر امرأة ثم ليخالفها، فإن في خلافها البركة"  وقوله: "شاوروهن وخالفوهن"،  و"عوّدوا النساء – لا-، فإنها ضعيفة، إن أطعتها أهلكتك" و"طاعة النساء ندامة" و"هلكت الرجال حين أطاعت النساء".] هذا فيما يخص موقف الاسلام من المرأة. أما موقف الاسلام من غير المسلمين فيستند فقهاء الارهاب على الحديث التالي: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله الا الله فإذا قالوها عصموا مني دمائهم وأموالهم) . وعليه، أليس الاسلام السياسي هو الذي يحرض الشباب على قتل الابرياء من غير المسلمين بل وحتى من المسلمين الذين لا يوافقونهم على آرائهم؟ أليس رجال الدين المسلمين هم الذين استخدموا النصوص الدينية من القرآن والسنة بتحويل حتى بعض الاطباء إلى إرهابيين في الغرب؟ إذا كان هذا هو الوضع، فلماذا تلقون اللوم على الغربيين في الاسلاموفوبيا؟

هل حقاً يخاف الغرب من الاسلام؟

لو كان الغرب حقاً يخاف من الاسلام كدين، لما سمحت الحكومات الغربية للجاليات الاسلامية وقدمت لهم الدعم المالي في بناء مساجدهم وجلب أئمتهم من الخارج؟ ولما وجد المسلمون، بمن فيهم دعاة الاسلام السياسي، في هذا الغرب الملاذ الامن لهم فجاءوا بالملايين، بل ويغامرون بحياتهم من الغرق في البحار من أجل الوصول إلى هذا الغرب "الكافر" للعيش فيه بأمان وسلام. كذلك نجد نسبة المساجد إلى عدد السكان المسلمين في الغرب تفوق النسبة ذاتها في الدول الاسلامية. ففي بريطانيا وحدها يوجد أكثر من ألف مسجد بينما عدد المسلمين فيها أقل من مليونين نسمة. بينما ممنوع على المسيحيين الاقباط في مصر بناء كنائس جديدة لهم الا بموافقة رئيس الجمهورية وبشروط تعجيزية، كما وممنوع على المسيحي الزائر إلى المملكة العربية السعودية حتى أن يجلب معه الكتاب المقدس فيصادر من المطار.

الحقيقة لا يمكن حجبها بالغربال، كما يقولون، فالمسلمون بجميع مذاهبهم يتمتعون بالحرية الكاملة في ممارسة شعائرهم الدينية في الغرب أكثر مما في البلدان الاسلامية. إن حرية ممارسة الشعائر الدينية في أية دولة إسلامية مسموح بها فقط لمذهب السلطة، وهناك اضطهاد علني تمارسه السلطة في البلدان الاسلامية ضد أتباع المذاهب الاسلامية الاخرى، ناهيك عن أصحاب الديانات الاخرى. فهذا هو الوضع في السعودية الوهابية ضد الشيعة، والوضع ذاته في إيران الشيعية ضد السنة. والجدير بالذكر أنه لم تحصل تفجيرات ضد دور العبادة في الغرب، بل ارتكبت هذه الجرائم في البلاد الاسلامية. وهذا دليل على بطلان الادعاء بوجود الاسلاموفوبيا في الغرب. ولو كان هناك إسلاموفوبيا في الغرب، وخاصة في أمريكا، لما قام الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش بزيارات متكررة لمساجد ومعاهد المسلمين في المناسبات الدينية الاسلامية وهو يبدي كل الاحترام لهم ولمعتقداتهم، وحتى يخلع حذاءه عند باب المسجد احتراماً للتقاليد الاسلامية. فهل هذا دليل الاسلاموفوبيا؟

من المستفيد من كذبة الاسلاموفوبيا؟

إن أتباع الاسلام السياسي هم من صنع واخترع مصطلح الاسلاموفوبيا وهم المستفيدون منه ويعملون على ترويجه، والغرض منه هو لوضع الجاليات الاسلامية في الغرب في حالة صراع ومواجهة مع شعوب الدول المضيفة ومن أجل دفع المسلمين إلى التطرف الديني وبالتالي إلى تأجيج الصراع مع الغرب. وقد نجح هؤلاء إلى حد ما حتى في كسب بعض المعتدلين والديمقراطيين والليبراليين. إذ نرى هؤلاء ينتقدون الغرب ويعزفون على وتر الاسلاموفوبيا، بشكل مباشر أو غير مباشر، بوعي أو بدونه، وذلك بتطوعهم بدعم الارهاب الاسلامي عن طريق إيجاد التبريرات والمعاذير له. وعلى سبيل المثال لا الحصر، بعد محاولات تفجير سيارات في لندن وغلاسكو الفاشلة، نشرت جماعة عربية في بريطانيا بياناً رغم أنها أدانت فيه هذه العملية الارهابية وبشيء من استحياء، الا إنها في نفس الوقت لم تتردد في إيجاد العذر لها وذلك بإلقاء اللوم على سياسة بريطانية الخارجية. وهذا بالطبع هراء في هراء. إذ ليس هناك أي مبرر للإرهاب، ناهيك عن كون الارهابيين المتورطين بالعملية هم من الاطباء الذين خانوا شرفهم وشرف المهنة والقَسَمْ الطبي الذي أدوه عند تخرجهم بأن لا يلحقوا أذى بأي إنسان. إنها الايديولوجية الدينية التي نجحت بتحويل حتى الطبيب المسلم إلى إرهابي ونكران الجميل مقابل خيانة البلد الذي قدم له الملاذ الامن والعيش بكرامة. وإذا كان الامر كذلك، أليس من حق الغربيين أن يتخوفوا منه؟ لا ننسى أن أيمن الظواهري، الرجل الثاني في منظمة القاعدة الارهابية هو طبيب وابن طبيب.

ملاحظة أخرى جديرة بالذكر وهي أن عيَّنت السلطات البريطانية عدداً من رجال الدين المسلمين في تثقيف السجناء المسلمين وفق التعاليم الاسلامية السمحاء، من أجل إصلاحهم وتحويلهم إلى مواطنين صالحين لإعادتهم إلى الحياة الطبيعية بعد قضاء فترة محكوميتهم. ولكن تبين فيما بعد أن قام عدد من هؤلاء الوعاظ بغسل أدمغة بعض السجناء المسلمين وتجنيدهم في المنظمات الارهابية. فهل السياسة الخارجية البريطانية هي المسؤولة عن هذا السلوك الاجرامي الغادر؟ أل يدل هذا على لا إخلاقية هؤلاء الوعاظ ونكرانهم للجميل وخيانتهم للبلد الذي آواهم ووثق بهم؟

في رأينا ينقسم الارهابيون إلى ثلاث فئات: فئة رجال الدين من أئمة المساجد من أمثال الشيخ يوسف القرضاوي وسلمان العودة وصالح الفوزان وغيرهم. وينحصر دور هؤلاء بالقيام بتحريض الشباب المسلم وتحويلهم إلى قنابل بشرية لقتل الابرياء. والفئة الثانية هي التي تقوم بتنفيذ الارهاب وهم مجانين تم غسل أدمغتهم من قبل الفئة الاولى. أما الفئة الثالثة، فهي تتألف من أناس يدعون الاعتدال والديمقراطية والحرص على الاسلام، وينحصر دورهم في إيجاد المبررات والمعاذير للإرهابيين بإلقاء اللوم على الغرب والامبريالية والصهيونية وغياب العدالة الاجتماعية في العالم بسبب سياسات الغرب!! وهؤلاء يقومون في نفس الوقت بالارهاب الفكري ضد كل من يخالفهم في الرأي ويعارضهم من الكتاب المتنورين الليبراليين الحقيقيين، ويتهمونهم بالعمالة للغرب والصهيونية والخيانة الوطنية...الخ

الخلاصة

نعم، الاسلام السياسي ومعه الارهاب الاسلامي، يهدد العالم والحضارة الحديثة لأنهم يريدون فرض إرادتهم ودينهم على العالم بالقوة وعن طريق الارهاب، ومن حق العالم وخاصة الغرب أن يتخوفوا من هذا السلوك المرعب. فمعظم الارهابيين مسلمون تم غسل أدمغتهم، بشحنهم بالعداء ضد الغرب وقيمه الحضارية، وقد اعتمد المحرضون على النصوص الدينية في إقناعهم بارتكاب الارهاب. ولذلك فالمطلوب من عقلاء المسلمين إنقاذ الاسلام من سفهاء القوم الذين اختطفوا الاسلام وجعلوه سلماً للوصول إلى السلطة وإعادة ما يسمى بدولة الخلافة الاسلامية التي لا يمكن تحقيقها الا في عقولهم المريضة. وما لم يتم إعادة تفسير النصوص الاسلامية وخاصة تلك الايات التي تسمى بآيات السيف والقتال بما يناسب العصر والتعايش السلمي مع البشرية بسلام، فإن الاسلام والمسلمين في حالة مواجهة غير متكافئة مع العالم المتحضر، والنتيجة كارثة على المسلمين أنفسهم. في الغرب لا يجد خوفاً من الاسلام كدين، بل هناك خوف من الاسلام السياسي الذي أنتج الارهاب الاسلامي، والذي خطره على المسلمين أكثر منه على الغرب


© 2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com