Print
أندرو و نانسى فى حضانة الأم المسيحية.. وماريو وأندرو فى حضانة الأب المسلم
وفاء وصفي
الحكم الصادر مؤخراً عن محكمة حلوان للأسرة، برفض الدعوى التى أقامها مواطن ــ تحول من المسيحية إلى الإسلام ــ يطالب فيها بإسقاط الحضانة عن أم أولاده، لكونها مازالت تدين بالمسيحية، أثار تساؤلات قانونية بسبب التناقض فى الأحكام فى قضايا مشابهة، انتهت باسقاط حضانة الأم فى واقعة سابقة تتطابق مع نفس الحالة!


المثير أن حيثيات كلا الحكمين خرجت عن إطار القانون الوضعى المنظم لحضانة الأطفال، وتترك المجال لتفسيرات كل قاض لآراء الفقهاء على اختلافها! الكارثة فى وجود أكثر 200 قضية مشابهة مازالت منظورة أمام القضاء، لا يمكن التكهن بأحكامها رغم صدور فتوى د. «على جمعة» بعدم جواز التفريق بين الولد وأمه! ربما لاختلاط هذه القضايا بوقائع تغيير الديانة، أضفى حساسية عند نظرها قضائياً، خاصة أن الدعاوى المقامة تحمل فى طياتها تأليباً على الديانات، فكما جاء فى دعوى الواقعة الأخيرة التى أقامها «على عبد الله أحمد» لإسقاط حضانة أم طفليه «نانسى وأندرو» وضمهما إليه؛ وذلك بعد إشهار إسلامه لتربيتهما وتنشئتهما على الدين الإسلامى وعقيدته، والتى كان قد طالب المدعى باسقاط حضانة الأم «شاهيناز ثابت كامل» للصغيرين «نانسى وأندرو» وإلزامها بتسليمه الصغيرين لتربيتهما وتنشئتهما على الدين الإسلامى وعقيدته مع المصروفات والأتعاب. المدعى أكد فى دعواه بأنه يدين الإسلام، والمدعى عليها قبطية أرثوذكسية وكانت زوجته فى 17/7/1996، ودخل بها ورزق منها بالصغيرين «نانسى وأندرو»، واللذين قد أصبحا فى سن يميزان فيها الأديان، ويخاف عليهما أن يألفا غير الإسلام دينا مما يعد حرمة للإسلام وتصطحبهما للكنائس.
المدعى قام بتقديم 6 حوافظ مستندات شملت قراراً بتعديل الاسم.. ولديه فى 7/1/2004 صورتان شهادة ميلاد وصورة وثيقة الزواج، وصورة من شهادة ميلاد المدعى بتغيير دينه! وفى المقابل قامت المدعى عليها ــ أم أولاده ــ بتقديم 5 مستندات ضمت الفتوى التى أصدرها المستشار نجيب جبرائيل ــ محامى المدعى عليها ــ فى مارس 2006 من الدكتور «على جمعة» ــ مفتى الديار المصرية ــ والذى كان نصها حول الحكم العام فى حضانة غير المسلمة للطفل المسلم، وجاء نصها: «الفقهاء المجتهدون المعمول بأقوالهم فى القضاء؛ حيث ورد فى حاشية ابن عابدين ما نصه: «تثبت الحضانة للأم النسبية، وكذا الأخت والخالة والعمة ولو كتابية؛ لأن الشفقة لا تختلف باختلاف الدين، وهى أشفق عليه من أبيه، لكونه من مائها الخارج من جوانبها القريبة من القلب».
واستند المفتى فى فتواه إلى ما ورد فى حاشية الدسوقى المالكى: «إن الإسلام ليس شرطاً فى الحاضن ذكراً أو أنثى، وضمت الذات الحاضنة إن خيف على المحضون منها فساد، كأن تغذيه بلحم خنزير أو خمر، لمسلمين ليكونوا رقباء عليها، ولا ينزع منها، وإن كانت مجوسية وأسلم زوجها واستمرت على الكفر، فتثبت لها الحضانة وتضم ــ أن خيف ــ لمسلمين ولا تنتقل للأب؛ ومثل الأم الجدة والخالة والأخت المجوسيات إذا أسلم الأب».

وأضاف كما ورد فى مغنى المحتاج للخطيب الشربينى الشافعى: «إن الإسلام شرط فى الحاضن إذا كان المحضون مسلماً، إذ لا ولاية لغير المسلم عليه، ولأنه ربما فتن عن دينه وحينئذٍ فيحضنه أقاربه المسلمون على الترتيب، فإن لم يوجد أحد منهم حضنه المسلمون؛ وعلى هذا فيجوز لغير المسلمة أن تحتضن طفلها المسلم، ما لم تكن هناك خشية عليه؛ ويتأكد هذا الجواز إذا وافق الزوجان على ذلك، والقاضى هو المنوط به التأكد من ذلك أو عدمه».
إلى هنا انتهى نص الفتوى الذى أخذته المحكمة فى اعتبارها، كذلك تقدم دفاع الأم بمذكرة تؤكد بعدم قبول الدعوى لاستمرار العلاقة الزوجية وعدم بلوغ الطفلين الـ 15 عاماً!، وعدم توافر سبب من أسباب سقوط الحضانة ورفض إسقاط الحضانة عن أندرو لعدم بلوغه سن التمييز. المحكمة قضت بإحالة الدعوى للتحقيق، ولسماع الشهود الذين شهدوا أن الطرفين كانا مسيحيى الديانة وأنجبا الصغيرين، وأن المدعى على خلق ومقيم فى شقة ومتزوج من أخرى مسلمة حالياً ولم ينجب منها، وأن المدعى عليها مازالت مسيحية، وإنهما انفصلا جسمانياً فى الزوجية!، وأن الصغيرين يعيشان مع أمهما وتنفق عليهما وترسلهما إلى المدارس، وأنها أمينة على الصغيرين. المحكمة انتهت إلى رفض الدعوى والزمت المدعى بدفع الأتعاب، وجاء فى حيثيات الحكم أن مصدر الحضانة شرعاً يكون للأم، لأنها أولى النساء بحضانة صغيرها، وبذلك هى أحق بالحضانة سواء كانت الزوجية قائمة أم لا بشرط أن تتوافر صلاحية الأم فى هذه الحضانة، ومن ثم فإن استمرار الزوجية بين المدعى والمدعى عليها، واعتصامها لا أثر له فى ثبوت حق الأم الزوجة فى الحضانة؛ كما أنه يشترط فى الأم الحاضنة شروطاً منها أن تكون بالغة عاقلة تخلو من الأمراض، وأن تكون أمينة على المحضون، ولا تضع الولد بيديها، وألا تكون متزوجة من أجنبى عن الصغير، وألا تقيم فى بيت من يبغضه وهو ما يتوافر فى «شاهيناز» والدة الطفل. كما استندت المحكمة فى حكمها أنه لا يشترط فى الحاضنة اتحادها فى الدين مع المحضون، فالأم أحق بحضانة ولدها المسلم، وإن كانت كتابية إلا إذا تبين فى حضانتها له خطر على دينه، أو بلغ السن التى يفضل فيها الأديان.

وكذلك استندت على طلب الزوج بعودة زوجته إليه بإنذار طاعة مما يتوافر فى يقين المحكمة أن الزوج متمسك بزوجته رغم كونها مسيحية، ومن ثم فإنها تكون صالحة لحضانة الصغيرين الأولى برعايتهما، إذ كيف يطلب إعادة زوجته إليه فى طاعته، ثم يقرر أنها غير صالحة، فإن دل ذلك فإنما يدل على الخصومة ومحاولة إسقاط الحقوق الشرعية، ومحاولة نزع صغيرين مازالا فى سن الحضانة فى يد أمهما والتفريق بينهما، وكذلك الفتوى التى أصدرها الدكتور «على جمعة» مفتى الديار المصرية، وكذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين الجنة يوم القيامة».
وجه الدهشة أن محكمة الأسرة بالإسكندرية قبلت نفس الطلب فى دعوى مشابهة أقامها «مدحت رمسيس لبيب»، والذى قام بإشهار إسلامه ومن ثم طلب حضانة طفليه إليه، فوافقت المحكمة على الرغم من أن فتوى د. «على جمعة» التى استندت لها الواقعة الأولى صدرت فى الأساس بخصوص تلك الواقعة، ولم تأخذ بها المحكمة التى حكمت للأب بضم ولديه ومن جانبه قام الأب بتغيير ديانة الأولاد مما جعل المدرسة تقوم بتدريسهم مادة التربية الدينية الإسلامية بدلاً من المسيحية، مما اضطر الأم لإقامة دعوى مضادة لوقف تنفيذ قرار الجهة الإدارية، ومازالت الدعاوى منظورة أمام القضاء والمحجوزة للنظر فيها فى سبتمبر المقبل!! هذا التناقض فى الأحكام الصادرة فى نفس الحالات أثار تساؤلات كثيرة حول هذه القضية الشائكة، فالقانون الوضعى لا يوجد فيه ما ينص على وجود اتحاد الدين بين الحاضنة والمحضون؛ وكذلك الشرع ينص على عدم تفرقة الأم عن أولادها، وأن من يفرق بينهما يفرق الله بينه وبين الجنة، ومازالت هناك العديد من القضايا المماثلة تنتظر الحكم فيها! من جانبه يؤكد المستشار «نجيب جبرائيل» ــ رئيس منظمة الاتحاد المصرى لحقوق الإنسان ــ أن حضانة الطفل طبقاً للقانون المصرى الذى لا يفرق بين قبطى ومسلم، تنتهى ببلوغ الصبى أو الصبية 15 سنة، وقد حدد الشرع هذه السن طبقاً لعوامل فسيولوجية ونفسية واجتماعية. «نجيب» أبدى اندهاشه من تعطيل هذا النص إشهار إسلام الأب أو الأم فيتم استبدال القانون الوضعى بفتاوى وأحكام فقهية، فتطبق القاعدة الفقهية التى لا تمت للقانون بصلة، وتنزع حضانة الصغير من أمه المسيحية إلى أبيه الذى أشهر إسلامه مادام بلغ الصبى سن التمييز وهو سبع سنوات وعلق «جبرائيل» قائلا: هذا الوضع جعل هناك تساؤلات كثيرة حول هذه التفرقة رغم أن موضوع التعامل واحد وهو الصغير سواء كان قبطياً أو مسلماً. أشار «جبرائيل» إلى تضارب الأحكام الصادرة وتباين الحيثيات فى هذه القضايا بالذات ما بين مؤيد لبقاء الصغير مع أمه حتى إذا أسلم أبوه وما بين أحكام نزع حضانة الصغير مباشرة ويسلم الأولاد لأبيهم المسلم.