Print

سيد القمني يكتب: حوار مفتوح.. مع «أبوالفتوح» «٢ــــ ٥» 

المبادئ التي يقول أبو الفتوح إنها إسلامية تبيح تجارة الرقيق وركوب الجواري والتمثيل بالأحياء قطعا ورجما.. فتحت أي بند من مبادئ الأخلاق تقع هذه المبادئ الإسلامية؟  

د. سيد القمني 

نتابع القطب الإخواني عبدالمنعم أبوالفتوح، وهو يقوم بتحديث الفكر الإخواني، طلبا للانخراط في العملية السياسية، في ظرف عالمي جديد يختلف بالمرة عن زمن نشأة الإخوان، فيقول: «إني أري أن كل الدول التي أغلب سكانها من المسلمين، هي دول إسلامية حسب المبدأ الديمقراطي سواء مصر أو الأردن،

وذلك لا يعني أننا نوافق أو نرضي عما لحق بهذه الدول من فساد وعطب، متمثل في استبداد سياسي وفساد اقتصادي وخلقي». لو حاسبنا أبوالفتوح هنا علي قدر ما قال هو، لقلنا له: إنه حسب المبدأ الديمقراطي، فإن أبوالفتوح يتكلم باسم جماعة الإخوان، وهم أقلية في مجتمعنا المصري، ومع ذلك يتكلم كما لو كان أغلبية، ويفعل جميع الإخوان فعله، ليترسب في الأذهان بالتكرار، أنهم ليسوا أقلية وأنهم ليسوا منشقين علي شعبهم، متمردين علي الحكومة القائمة، والأقلية كما قال ـ هو ـ لا تفرض رأيها علي الأغلبية، ناهيك عن كون هذه الجماعة أقلية خارجة عن القانون وجماعة غير شرعية حسب قانوننا المدني.
وإن أبوالفتوح إذ يلزمنا بصفته كمفكر وحركي إسلامي إخواني، فإنا نلزمه بهذه الإسلامية وأن يطبق علي نفسه قوانين الشريعة الإسلامية، لأن معارضته للنظام الحاكم هي تمرد علي دين الإسلام نفسه الذي أمرنا بطاعة ولي الأمر، و«اطلع الأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، ولو كان عبدا حبشيا فاسقا فاجرا ـ أحاديث صحاح»، حرصا علي عدم الفتنة، كما تؤكد المراجع السنية، التي هي مراجع الإخوان بوصفهم وهابية حنبلية سنية، فهو إما أن يعارض، لكن بعد أن يخلع صفة الإسلامية عن سياسته ومواقفه «حتي نصدقه»، وإما أن يتمسك بصفته الإسلامية ويصمت ولا يشارك في الفتنة.. لعن الله من أيقظها «حتي نحترمه».
في دولتنا الحالية التي أنشأها محمد علي كدولة حديثة، يلزمك كي تتهم غيرك بالفساد، أن تحصل علي حكم قضائي يدين الفاسد أولا، وحديثه عن الفساد في الدولة الإسلامية يلزمه أولا تقديم وثائقه والحصول علي حكم قضائي بذلك، وإلا كان حسب الشريعة الإسلامية قاذفا يستحق الجلد عاريا علي ملأ من المسلمين، ثم عليه في المقابل أن يثبت هو نزاهة نفسه وجماعته كمدعين بالفساد علي الحكومة، وتقديم سيرة واضحة تحترم القانون والأخلاق والقيم، وهو كجماعة لا يتصف بمثل هذه السيرة بالمرة، وصحيفة سوابقهم تمتلئ بألوان الجرائم أشكالا وأنواعا.

إذا تحدثنا لغة الإسلام، فإن ما يراه من فساد اقتصادي في الدولة القائمة، رآه عثمان حقا له كخليفة، ورآه العرب المصريون فسادا فقتلوه، لأنه ليس في الإسلام قانون واضح يحمي المال العام، لذلك فجريمة الاختلاس من المال العام تقع تحت شبهة المشاركة فيه، فلا تصبح سرقة، كذلك فإن سرقة سيارة ليست سرقة، لأنها ـ حسب الشرع ـ سائبة كالبغال والحمير والإبل والماعز، التي ترعي سائبة، أما سرقة الكاسيت الموجود بداخلها فهو جريمة سرقة تستحق القطع، لأن الكاسيت كان في حرز مغلق، ولأنهم لا يعترفون بأن ذلك زمان يختلف في قيمه وشرائعه عن زماننا، يسقطون في شراكهم اللفظية والشرعية، نحن بالطبع ضد الاستبداد والفساد الاقتصادي والأخلاقي، لكن أسوأ الفساد هو الانتهازية بالدين ضد الوطنية مما يبذر بذور الشقاق والفتنة في المجتمع.
في جملة واحدة يقول أبوالفتوح نقيضين: «هناك فساد أخلاقي ونحن ضد الخروج عن المبادئ الإسلامية، لأن تعريفهم للفساد غير تعريفنا اليوم للفساد، فالمبادئ التي يقول إنها إسلامية، تري العبد الآبق كافرا حتي يرجع إلي مواليه «حديث صحيح قام عليه فقه بكامله»، ومبادئنا تراه مناضلا عظيما في سبيل الحرية، يستحق أن تقام له التماثيل في الميادين.. المبادئ التي يقول إنها إسلامية تبيح تجارة الرقيق وركوب الجواري والتمثيل بالأحياء قطعا ورجما.. فتحت أي بند من مبادئ الأخلاق تقع هذه المبادئ الإسلامية؟ أو ليس من حقنا كمسلمين ملتزمين أن نحصل علي ملك اليمين، وهو شرع شرعه ربنا وبني عليه مفكرونا فقها كاملا؟ لماذا لا تعيدون إلينا الجواري كما فرضتم الحجاب،
تكافحون من أجل شيء ليس في شرعنا اسمه الدولة الإسلامية، ولا تكافحون لتنفيذ شريعة الله في أرضه بعودة نظام العبودية، إنهم يرون نكاح ملك اليمين فضيلة، ونراه نحن اليوم بمنطق عالمنا اغتصابا يعاقب عليه بالإعدام، يرون تعدد الزوجات فضيلة ولا نراه كذلك، يرون السياحة والبنوك من فعل الشيطان الرجيم، ونري نحن بنوكه الإسلامية تمثيلية هزلية رخيصة، يشارك فيها البنك والمودع لخداع الذات، حيث يذهب كل المال إلي مساره الطبيعي الربوي في حركة الأموال العالمية.
أليس هذا تدليسا علي الرب؟ ثم ألا يشير إلي أننا أصبحنا ذهانيين؟ نحن كليبراليين نري سياحتنا وحدها كفيلة ببروز مصر إلي صدارة الأمم المحترمة، إن أحسنا استخدامها كأكبر كنز أثري في العالم كله، وفق تقنيات العصر وأساليبه، وهم يرونها فسقا وفجورا ووثنية.
هم يرون أن قراءة الموظفين القرآن أثناء العمل فضيلة «وإلا ما فعلوها»، ونراها نحن تعطيلا لمصالح العباد، فهذه هي الرذيلة المرذولة والنطاعة المكروهة نفسها.
إن الفساد يعني الخروج عن قاعدة أخلاقية أو قانونية وضعية، كما يفهمه العلم الإنساني، أو هو حسب الفهم الديني خروج عن قاعدة شرعية دينية سماوية، فإذا قصد أبوالفتوح من الفساد جانبه الوضعي: كسياسات جمارك، وبنوك، وجنسية، وضريبة، ومحاكم إدارية، وجنائية، فإن جماعة الإخوان ـ حسب هذه القوانين الوضعية ـ هم أول الفساد، لأنهم جماعة غير شرعية فسدت بخروجها عن القانون الوضعي بوجودها رغما عنه، فسدت بإصدار صحف ونشرات دون تراخيص، فسدت بشركات توظيف الأموال ونهب أموال الفقراء، فسدت بغسيل الأموال بعد أن تم القبض مؤخرا علي حوالي ١٣٥ شركة إخوانية تغسل الأموال القذرة الملوثة، فسدت بجمع الأموال لتمويل جماعات الإرهاب الدولية، فسدت باختراقها قواعد الاستثمار البنكي بما يدمر اقتصاد الوطن.
أما النوع الثاني من الفساد الذي يكون بالخروج عن قاعدة دينية شرعية، فإن شر الفساد في هذا النوع ليس بالخروج عن القاعدة فقط، بل ضربها بالحذاء علنا، فقد أسهم الإخوان بالصمت والسكوت علي تعطيل شرع الله، فصمتوا علي تحريم العقوبات البدنية، والرق، والسبي، ويعدوننا بأنهم سيقطعون أيدينا إن شاء الله بالشريعة عندما يحكمون.. ألا يوجد بين الإخوان سارق واحد أو زان واحد الآن لتطبقوا عليه شريعة الله، التي تزعمون أنكم حراسها، حتي يصدقكم المسلمون؟ أم تنتظرون الوصول إلي حكمنا لتكونوا أنتم الحاكمين القاطعين.. ونحن المقطوعين؟
.. وتعليق علي أول مقال لـ«سيد القمني»
.../ مجدي الجلاد، ثقة مني في أن المنشور أمس للدكتور سيد القمني، ليس مقصودا منه من قبل «المصري اليوم»، إلا تحفيز الطرفين الإسلامي والعلماني -وهذا أفهمه بالتأكيد-، علي الأخذ والرد، وثقة مني أيضا في أنكم في الحوار، أي حوار، علي صفحات الجريدة، لن يكون لـ«المصري اليوم» هوي
أو انحياز، وغيرة مني فيما أعتقد، أرجو أن تحظي كلمتي التالية بحظها في النشر.. لكم تحياتي

Part 1 link