Print
تغيير الديانة بالمحكمة
 elfagr.org
 كان الأمر فوق احتمال الكنيسة المصرية.. أن تغير زوجة رجل من رجالها الكبار ديانتها.. وتترك المسيحية.. وتعتنق الإسلام.. ولم يعرف البابا شنودة ما يقوله في مثل هذه الحالة الحرجة.. لكن.. شباب الأقباط تكلموا نيابة عنه.. وجاءوا من كل مكان ليعبروا عن غضبهم دون أن يترددوا في اتهام أشخاص بعينهم بتهريبها وتحريضها علي ما فعلت.

وقد شعر المثقفون بالخطر علي نسيج الوطن من التمزق والاحتراق بسبب نزوة شخصية هنا أو هناك.. لكن.. لا أحد منهم تجاوز حدود القلق بحثا عن حل إلا الدكتور هشام صادق رئيس جمعية الثقافة والتنوير في الإسكندرية.. فقد تحركت خبرته القانونية لتكون في خدمة مجتمعه الذي أصبح هشا.. تهدده فتاة مراهقة هربت مع شاب من غير ديانتها.. أو زوج فشل في طلاق زوجته المسيحية فغير ديانته.. وترك أطفاله لا يعرفون هل يصلون في الكنيسة أو يعتكفون في المسجد؟.

اتصل هشام صادق بزميله وصديقه واستاذه الدكتور فؤاد رياض واتفقا علي وضع صيغة قانونية مشتركة لتغيير الديانة وتفريخ مخزن وقود التطرف والتعصب المهدد بالانفجار بعود كبريت يلقيه شخص عابث.

وافق الدكتور فؤاد رياض علي اقتراح صديقه وتلميذه في القانون الدولي ووضعا مشروعا للقانون بكل تفاصيله ومواده ومذكرته الشارحة.. لكن.. لا أحد طوال سنوات الالتهاب الطائفي الماضية تحمس للمشروع وتعاملت معه الجهات الرسمية والمؤسسات الدينية علي طريقة لا أقرأ.. لا أسمع.. لا أهتم.

لكن.. فجأة تحمس المجلس القومي لحقوق الإنسان للمشروع وبدت علامات رضا تظهر علي وجه الدولة ولم تمتعض المؤسسات الدينية حتي الآن.. خاصة أن القانون الجديد بدا طوق نجاة لإنقاذ الجميع من متاعب وأزمات تغيير الديانة التي أزمنت وأصبحت حادثة يومية.

يسمي القانون الجديد بقانون تغيير الديانة عن طريق القاضي أما نصه الذي حصلنا عليه بتوقيع صاحبيه فهو كالتالي:

تمهيد:

2ـ وإذا كان تغيير الديانة لا يثير مشكلة في الدول ذات الطابع المدني الكامل فإن الأمر يحتاج إلي إجراءات محددة في مصر للاعتراف بالتغيير من الناحية القانونية نظرا لما يترتب علي تغيير الديانة من آثار قانونية مهمة في مسائل الأسرة كالزواج والطلاق وهي آثار تختلف حسب الديانة أو الملة.

3ـ علي أنه إذا كان حق الفرد تغيير ديانته وفقا لقناعته الشخصية فإن الأمر قد لا يخلو من إساءة استعمال هذا الحق وذلك بتغيير الديانة لمجرد الحصول علي آثار قانونية تحول الديانة الأصلية دون التمتع بها.. كذلك قد يتم تغيير الديانة نتيجة لضغوط تشكل نوعا من الإكراه أو الإغراء المادي الذي يعد من قبيل الرشوة.. وفي ذلك ما يتعارض مع صحة الإرادة وصدق النية في التغيير وهما شرطان أساسيان في هذا المجال.

4ـ وبناء علي ذلك يتعين أن يتم إشهار تغيير الديانة في مصر عن طريق القضاء وذلك برفع الأمر إلي محكمة الأسرة بطلب إصدار حكم بهذا التغيير.. ويتعين عدم إصدار هذا الحكم قبل مهلة زمنية كافية يتم خلالها الاستماع إلي الأطراف المعنية والتحقق من انتفاء ما قد يعيب الإرادة الحرة للتغيير وكذلك انتفاء نية التحايل بقصد تحقيق آثار قانونية معينة لا تسمح بها الديانة المراد تغييرها.

5ـ ولهذه الأسباب نقترح مشروع القانون التالي نصه الذي يجدر أن يتضمن المبادئ سالفة البيان كما يجدر أن يتضمن أيضا النص علي اعتبار تقديم الخدمات والمزايا المادية لطالب التغيير جريمة مخلة بالشرف يعاقب مرتكبها بعقوبة الرشوة وذلك للأسباب التفصيلية التي سنوضحها في المذكرة الإيضاحية للنص المقترح.

النص المقترح:

مادة (1): لا يترتب علي تغيير الفرد لديانته أي آثر قانوني إلا بعد إشهار هذا التغيير ويتم الإشهار بدعوي قضائية يرفعها طالب التغيير أمام محكمة الأسرة ولا يصدر الحكم بالإشهار إلا بعد مرور سنة من تاريخ رفع الدعوي تستمع المحكمة خلالها إلي جميع الأطراف وتستوثق من أن التغيير يعبر عن رغبة حقيقية لا يشوبها غش أو إكراه.

مادة (2): يعتبر تقديم خدمات أو مزايا مادية لطالب التغيير بهدف دفعه إلي تغيير ديانته جريمة مخلة بالشرف يعاقب مرتكبها بالعقوبة المقررة لجريمة الرشوة المنصوص عليها في قانون العقوبات السجن من 3 إلي 5 سنوات.

لمذكرة الإيضاحية:

يترتب علي المبادئ الدستورية المتعلقة بحرية العقيدة وحق المواطنة أن يصبح من حق الأفراد تغيير ديانتهم بناء علي إرادتهم الصحيحة التي لا يشوبها إكراه أو غش نحو القانون.

علي أن إعمال هذه المبادئ الدستورية يجب أن يخضع لتنظيم تشريعي حتي لا يتحول الأمر إلي فوضي عارمة تهز استقرار المجتمع المصري.. فلو كانت مصر دولة مدنية بالكامل كما هو الحال في أوروبا والولايات المتحدة لما ترتبت أي آثار قانونية علي تغيير الدين ولما كانت هناك حاجة بالتالي إلي أي إجراءات لإشهار هذا التغيير.. أما في مصر فإن تغيير الدين يترتب عليه آثار قانونية مهمة في الزواج والطلاق والميراث وكل أحكام الأسرة الأخري.. ولذلك كان لابد من اتباع إجراءات محددة لإشهار التغيير والاعتراف به قانونا.

وقد كشفت التجربة العملية أن تغيير الدين يكون الهدف منه في بعض الأحيان الحصول علي الاثار القانونية المشار إليها دون أن تكون هناك رغبة حقيقية في التغيير وهو ما يعتبر غشا نحو القانون لا يجوز الاعتداد به.. ومن ناحية أخري فإن تغيير الدين قد تصاحبه أحيانا ضغوط وإغراءات خارجية كما تصاحبه دائما ظروف نفسية واجتماعية يمر بها طالب التغيير.. لذلك يكون من الواجب إعطاء فسحة زمنية معقولة لطالب التغيير حتي يظهر غرضه الحقيقي.. وهل هو تغيير الدين فعلا أم الغش نحو القانون؟.. وحتي يأتي التغيير بعد ذلك معبرا عن إرادة قانونية حرة يمكن أن يعترف بها القانون.

وبالإشارة إلي الحديث الشريف " هل شققت عن قلبه " فإن هذا الحديث الشريف يستدعي من المشرع في العصر الحديث التفرقة بين التغيير الشرعي الذي يعترف به الدين منذ حدوثه والتغيير القانوني الذي لايمكن الاعتراف به إلا بعد التحقيق من وجود إرادة حرة لا يخالطها الغش أو اللبس أو الإكراه.. وتوجد منذ عام 1929 تفرقة مشابهة في الزواج بين الزواج الشرعي الذي يتم بإيجاب وقبول ومهر وشاهدين وبين الزواج القانوني الذي لابد أن يتم بالتوثيق أمام الموثق المنتدب من الدولة وهو المأذون.. والقانون لا يعترف بالزواج الشرعي الأول عند إنكار أحد الزوجين ولكنه يعترف بالزواج الرسمي فقط.

ونظرا لخطورة تغيير الدين وما يترتب عليه من آثار قانونية في مصر تبدو أهمية التأكد من أن التغيير قد تم عن إرادة حقيقية لا يشوبها غش أو إكراه وهو ما يستلزم أن يتم إشهار هذا التغيير بدعوي قضائية يصدر فيها حكم من محكمة الأسرة بعد الاستماع إلي جميع الأطراف.. فإذا كان تغيير الاسم في القانون الحالي يتم بحكم من المحكمة فإن تغيير الدين وهو أخطر من تغيير الاسم بكثير يتعين أن يتم بحكم من المحكمة أيضا ومن باب أولي.

ويجب علي القاضي عند النظر في طلب تغيير الديانة أن يستوثق من أن هناك رغبة حقيقية في التغيير وهو ما يستلزم أيضا تأجيل البت في الطلب لمدة سنة علي الأقل حتي تظهر الإرادة لطالب التغيير دون غش أو إكراه.. ويمكن لطالب التغيير أن يمارس دينه الجديد خلال هذه السنة كما يشاء ويكون قد انتقل إليه شرعا دون أن يكون قد انتقل إليه قانونا.. ومسألة التأجيل لمدة سنة معروفة في القانون.. وعلي سبيل المثال إذا طلبت الزوجة الطلاق من زوجها بسبب صدور حكم عليه بالحبس لمدة ثلاث سنوات فلا يجوز البت في طلبها إلا بعد مرور سنة كاملة من الحبس الفعلي..إذ ليس هناك مبرر للتسرع والاستعجال في إصدار الأحكام القانونية ذات الآثار الخطيرة.

وإذا مرت فترة السنة وتأكد القاضي من سلامة إرادة طالب التغيير وعدم اختلاطها بغش أو إكراه فإنه يحكم بإشهار التغيير قانونا وهو ما يترتب عليه بعد ذلك كافة الاثار القانونية المترتبة علي تغيير الديانة. ولهذا فقد انتهي مشرع القانون المرفق إلي إقرار المبادئ المتقدمة باستلزام أن يتم البت في طلب إشهار الديانة بدعوي قضائية يصدر فيها حكم من محكمة الأسرة بعد الاستماع إلي جميع الأطراف والاستيثاق من أن التغيير قد تم عن إرادة حقيقية لا يشوبها غش أو إكراه علي أن يصدر الحكم بعد مرور سنة علي الأقل من تاريخ رفع الدعوي. ولما كان تقديم خدمات أو مزايا لطالب التغيير لا يقل خطورة عن جريمة الرشوة وإفساد الذمم لأنها بدورها ماسة بالشرف باعتباره محاولة لشراء عقيدة الإنسان أو بيعها فقد رأي المشرع اعتبار تقديم هذه الخدمات والمزايا المادية لطالب التغيير جريمة مخلة بالشرف يعاقب عليها بالعقوبة المقررة لجريمة الرشوة ردعا لبعض الممارسات التي كشفت عنها التجربة العملية والتي تؤدي إلي نتائج تهدد الوحدة الوطنية والأمن الاجتماعي.