Print

المفكر المغربي محمد عابد الجابري يثير جدلاً جديداً: القرآن الكريم «محرف».. وهناك سور وآيات لم تدرج ما قيل إنه «رُفع» أو «سقط» من القرآن!

  كتب  أحمد الخطيب

فجر الدكتور محمد عابد الجابري أستاذ الفلسفة بجامعة محمد الخامس بالمغرب، مفاجأة بقوله: «إن القرآن وقع به بعض التحريف، وأن علماء الإسلام السنة اعترفوا بذلك». وقال الجابري في مقال له بعنوان «ما سقط وقيل عن القرآن»، نشر بصحيفة الاتحاد الإماراتية ونقله موقع العربية نت: «إن جميع علماء الإسلام من مفسرين وراوة حديث وغيرهم يعترفون بأن ثمة آيات وربما سوراً قد «سقطت» أو «رفعت» ولم تدرج في نص المصحف، وأنواع النقص في ذلك كثيرة».

وأضاف الجابري في رواية عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت كانت آيات سورة الأحزاب في عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم، تبلغ نحو مائتي آية، فلما كتب المصحف لم يقدر منها إلا ما هي عليه الآن، وفي رواية أخري أنها قالت: «نزلت آية الرجم ورضاع الكبير عشراً، ولقد كانت في صحيفة تحت سريري، فلما مات الرسول «صلي الله عليه وسلم» وتشاغلنا بموته دخل داجن «شاه» فأكلها.

واستشهد الجابري بنحو ١٣ رواية تشير إلي أن القرآن وقع به نقص وتحريف، قائلاً: «يذكر القرطبي في تفسيره لسورة «التوبة» وعدد آياتها ١٣٠، وفي سياق عرضه للروايات التي تتناول عدم وجود البسملة في أولها رواية جاء فيها «أنه لما سقط أولها سقط بسم الله الرحمن الرحيم معه»، وفي رواية أخري عن حذيفة أنه قال «ما تقرأون ربعها أي سورة التوبة».

وأنهي الجابري مقاله المثير للجدل بقوله: «هذا ويعلل علماء الإسلام من أهل السنة ظاهرة سقوط آيات من القرآن بكونها داخلة في معني النسخ ،غير أن علماء آخرين أنكروا أن يكون ذلك من النسخ، وقالوا إن ما ذكر من الزيادة والنقصان في القرآن، يرجع إلي خبر الآحاد والقرآن لا يثبت به، وإنما يثبت بالتواتر.

وفيما يلي تنشر «المصري اليوم» نص مقال الدكتور محمد عابد الجابري:

موضوع الزيادة والنقصان في القرآن، موضوع قديم كثر فيه القيل والقال. وقد تحدثت المصادر، السُّنية منها والشيعية، عن التحريف في القرآن، نذكر هنا ملخصاً لما ورد في الأولي علي أن نخصص المقال المقبل لما ورد في المصادر الشيعية.

تميز المصادر السُّنية بين الأصناف التالية من التحريف في القرآن:

- صنف يقع بالتأويل بمعني "نقل معني الشيء من أصله وتحويله إلي غيره"، أو بالنقص أو الزيادة في الحروف أو الحركات، وذلك كاختلاف القراءات، أو بـ"الزيادة والنقصان في الآية والسورة مع التحفظ علي القرآن والتسالم (عدم التنازع) علي قراءة النبي صلي الله عليه وسلم إياها"، وهذا مثل تسالم المسلمين في البسملة علي أن النبي قرأها قبل كل سورة غير سورة التوبة مع اختلافهم هل هي من القرآن أم لا. وهذه الأنواع من التحريف واقعة في القرآن ومعترف بها بصورة أو أخري من طرف علماء الإسلام تحت العناوين التالية: التأويل، الأحرف السبع، القراءات، مسألة البسملة... إلخ.

- وصنف يراد به القول بأن «بعض المصحف الذي بين أيدينا ليس من الكلام المنزل»، وهذا مرفوض بإجماع المسلمين (ينسب إلي فرقة العجاردة من الخوارج، أنهم رفضوا أن تكون سورة يوسف من القرآن، زاعمين أنها قصة من القصص).

وهذان الصنفان من التحريف لا يدخلان في موضوعنا هنا. إن ما يهمنا هنا هو ما يتصل بمسألة «جمع القرآن»، أعني ما يدخل في نطاق السؤال التالي: هل «المصحف الإمام» -الذي جمع زمن عثمان والذي بين أيدينا الآن- يضم جميع ما نزل من آيات وسور، أم أنه رفعت (أو سقطت) منه أشياء أثناء جمعه؟

الجواب عن هذا السؤال، من الناحية المبدئية، هو أن جميع علماء الإسلام، من مفسِّرين ورواة حديث وغيرهم، يعترفون بأن ثمة آيات، وربما سوراً، قد «سقطت» أو «رُفعت» ولم تدرج في نص المصحف. وفي ما يلي أنواع النقص التي ذكرتها المصادر السُّنية.

١- يقول القرطبي عند تفسيره لسورة الأحزاب، وعدد آياتها ٧٣ آية: "كانت هذه السورة تعدل سورة البقرة (وعدد آياتها ٢٨٦). وكانت فيها آية الرجم. وبعد أن يشير إلي أن هذا روي عن أُبي بن كعب، أحد كتاب الوحي وجامعي القرآن، يضيف قائلاً: «وهذا يحمله أهل العلم علي أن الله تعالي رفع من (سورة) الأحزاب إليه ما يزيد علي ما في أيدينا (منها)، وأن آية الرجم رفع لفظها» (وبقي حكمهاً سائراً). وروي أنّ عمر بن الخطاب، قال: (إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم. والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس: زاد عمر في كتاب الله لكتبتها، ونصها: «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتّة، نكالاً من الله، والله عزيز حكيم»، فإنّا قد قرأناها). وقيل إن عمر أتي بهذه الآية إلي زيد بن ثابت حين كان يجمع القرآن فلم يأخذها منه لأنه - أعني عمر - كان وحده، وزيد كان قد اشترط شهادة رجلين فيما يأخذ من الآيات.

وفي رواية عن عائشة أنها قالت: «كانت سورة الأحزاب تعدل علي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم مائتي آية، فلما كتب المصحف لم يقْدَر منها إلا علي ما هي الآن». وفي رواية أخري أنها قالت: «نزلت آية الرجم ورضاع الكبير عشراً، ولقد كانت في صحيفة تحت سريري، فلمّا مات رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وتشاغلنا بموته دخل داجن (شاة) فأكلها».

٢- ويذكر القرطبي أيضاً في بداية تفسيره لسورة براءة (التوبة وعدد آياتها ١٣٠)، وفي سياق عرضه للروايات التي تتناول عدم وجود البسملة في أولها، رواية جاء فيها: «إنه لما سقط أولها، سقط (بسم الله الرحمن الرحيم) معه. وفي رواية أخري عن حذيفة أنه قال: ما تقرؤون ربعها: يعني براءة».

٣- وذكر السيوطي وغيره أن دعاء القنوت كان سورتين، كل سورة ببسملة وفواصل، إحداهما تسمي سورة الخلع، والأخري تسمي سورة الحفد. غير أن علماء السُّنة قد اعتبروهما ضرباً من الدعاء لا قرآنا منزلاً. وهما بالتتابع: أ) «اللّهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك»، ب) «اللّهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعي ونحفد، نرجو رحمتك، ونخشي عذابك، إنّ عذابك بالكافرين ملحق».

٤- ورُوي أنّ عمر قال لعبدالرحمن بن عوف: "ألم تجد فيما أُنزل علينا: «أن جاهدوا كما جاهدتم أوّل مرّة"، فأنا لا أجدها؟ قال: أُسقِطت فيما أسقِط من القرآن».

٥- كما روي عن حميدة بنت أبي يونس أنها قالت: «قرأ علي أبي، وهو ابن ثمانين سنة، في مصحف عائشة: إنّ الله وملائكته يصلّون علي النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلّموا تسليماً وعلي الذين يصلون في الصفوف الأولي». قالت: «قبل أن يغير عثمان المصاحف».

٦- وذكر السيوطي في باب الناسخ والمنسوخ عن ابن عمر أنه قال: «ليقولن أحدكم قد أخذت القرآن كله وما يدريه ما كله! قد ذهب قرآن كثير، ولكن ليقل قد أخذت منه ما ظهر».

٧- ورووا عن أبي بن كعب قال: «قال لي رسول الله صلي الله عليه وسلم إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن فقرأ سورة: «لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين»، ومن بقيتها - وهذا غير موجود في المصحف - «لو أن ابن آدم سأل وادياً من مال فأعطيه سأل ثانياً، وإن سأل ثانياً فأعطيه سأل ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله علي من تاب، وإن ذات الدين عند الله الحنيفية غير اليهودية ولا النصرانية ومن يعمل خيراً فلن يكفره».

٨- وفي رواية عن أبي موسي الأشعري أنه قال: «نزلت سورة نحو براءة ثم رفعت وحفظ منها: إن الله سيؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم، ولو أن لابن آدم واديين من مال لتمني وادياً ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله علي من تاب».

٩- وعنه أيضاً أنه قال: «كنا نقرأ سورة نُشبهها بإحدي المسبحات (السور التي تبدأ بـ«سبح» و«يسبح») نسيناها، غير أني حفظت منها: «يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا ما لا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة».

١٠- كما يروون عن عمر أنه قال: كنا نقرأ: «لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم».

١١- وروي أن مسلمة بن مخلد الأنصاري قال ذات يوم: «أخبروني بآيتين في القرآن لم تكتبا في المصحف فلم يخبروه فقال، الأولي: «إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ألا أبشروا أنتم المفلحون». والثانية "والذين آووهم ونصروهم وجادلوا عنهم القوم الذين غضب الله عليهم أولئك لا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون" .

١٢- وفي الصحيحين عن أنس أنه قال: «نزل قرآن في الذين قتلوا في موقعة بئر معونة، قرأناه حتي رفع وفيه: «أن بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا».

١٣- وروي الطبري في تفسيره عن الحسن أنه قال في قوله تعالي: «مَا نَنْسَخْ مِنْ آيةٍ أوْ نُنْسِها نأْتِ بِخَيرٍ مِنْهَا"، قال: إن نبيكم صلي الله عليه وسلم أُقرئ قرآناً ثم نسيه فلا يكن شيئاً، ومن القرآن ما قد نسخ وأنتم تقرؤونه. وفي لفظ آخر: «قال: إِن نبيكم صلي الله عليه وسلم، قرأ علينا قرآناً ثم نسيه». وعن ابن عباس قال: كان مما ينزل علي النبي صلي الله عليه وسلم، الوحي بالليل وينساه بالنهار، فأنزل الله عز وجل: «ما ننسخ من آية أو ننسها نأتِ بخير منها أو مثلها».

هذا ويعلل بعض علماء الإسلام من أهل السُّنة، ظاهرة سقوط آيات من القرآن، بكونها داخلة في معني النسخ. غير أن علماء آخرين أنكروا أن يكون ذلك من النسخ، وقالوا: إن ما ذكر من الزيادة والنقصان في القرآن يرجع إلي خبر الآحاد، والقرآن لا يثبت به، وإنما يثبت بالتواتر.

نقلا عن صحيفة «الاتحاد» الإماراتية