الإخوان «المسلمين» يطالبون بأن تكون الشريعة مرجعية أعلي من الدستور

كتبت نيرمين عبدالمنعم:

يعتزم الإخوان المسلمين بناء دولة دينية ذات طابع مدني «علي حد قولهم» يكون أساس التشريع فيها الشريعة الإسلامية وتكوين هيئات أو لجان استشارية فقهية يرجع إليها عند إقرار تشريع، جاء هذا في إطار مشروع برنامج لحزب سياسي كان قد طرحه المرشد العام «محمد مهدي عاكف» دون أن يكون لهم حزب، في منتصف يناير 2007.

عند القراءة الأولي لهذا البرنامج يبدو أن الإخوان المسلمين متفقين مع القوي السياسية والديمقراطية في مصر علي تحقيق الديمقراطية والإصلاح السياسي والدستوري، وهو ما يؤكده باستمرار نائب المرشد «محمد حبيب» من ضرورة إنهاء الاستبداد الذي يتمثل في الحزب الحاكم وتحقيق الإصلاح السياسي وإنهاء حالة الطواريء التي تعيشها مصر وعلي حد تعبيره إن هناك انسدادا سياسيا يسود البلد، لكن عند التدقيق في القراءة تبدو النية واضحة في إنهاء أسس الدولة المدنية الحديثة ورفع شعار «الإسلام دين ودولة» إذ يقول البرنامج إن الشريعة الإسلامية شريعة شاملة تتناول بالتنظيم أمور الدين وأمور الدنيا معا، ويستندون في ذلك إلي نص المادة الثانية من الدستور التي عدلها السادات قائلين: «إن النص في المادة الثانية من الدستور علي أن دين الدولة هو الإسلام وأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع لا يعني سوي التأكيد علي مرجعية الشريعة الإسلامية إما نصا أو دلالة أو اجتهادا».

وفي هذا الإطار يري سيد عسكر - عضو الكتلة البرلمانية للإخوان في مجلس الشعب - أن المرجعية الإسلامية تعني أن تكون الشريعة مرجعا أعلي من الدستور، والمرجعية الدينية تعني أن يتم عرض القوانين علي لجان فقهية بمجمع البحوث الإسلامية قبل إقرارها، هذا يعني - كما كتب عبدالمنعم سعيد - أن الدستور ليس هو أساس التشريع وإنما الشريعة الإسلامية، أي تنتفي الوظيفة التشريعية للمجالس النيابية وتحل محلها وظيفة الفتوي ويضيف محمد حبيب أن «الإسلام هو دين الدولة وليس من المسموح لأي مواطن علماني أن يعلن عن كونه علمانيا».

وينص البرنامج علي اقتراح تشكيل «هيئة كبار العلماء» تقوم بإبداء رأيها في التشريعات ويسري ذلك علي رئيس الجمهورية عند إصداره قرارات بقوة القانون في غيبة السلطة التشريعية، ورأي هذه الهيئة يمثل الرأي الراجح المتفق مع المصلحة العامة.

وينتقد عدد كبير من الباحثين والساسة هذه الفكرة، ومنهم ضياء رشوان «الخبير بشئون الجماعات الإسلامية» حيث أوضح أن مثل هذه الهيئة سينتج عن وجودها تنازع واضح في الاختصاصات بين سلطات الدولة المختلفة وخلل دستوري واضح وتصادم مع الأعراف الديمقراطية المستقرة.

وفي ظل هذا النقد حاول قادة الإخوان المسلمين إعادة تفسير هذه الأفكار، يقول حبيب إن هذه الهيئة مجرد هيئة استشارية الغرض منها معاونة البرلمان في بعض الأمور.

ويضيف أن البرنامج طرح تلك الهيئة منبثقة عن مؤسسة الأزهر الشريف، ونحن نتحدث عن لجنة علي مستوي عال من الاختصاص داخل الأزهر.

وأيا ما كانت طبيعة هذه اللجان واختصاصها فهي تمثل كارثة حقيقية إذ سوف يتحول الخلاف حول أي قانون أو قرار من الخلاف علي تحقيقه مصلحة الناس والمجتمع من عدمه إلي مدي اتفاقه مع هذا التفسير للشريعة الإسلامية أو تعارضه معها، أي إلي جدل فقهي بعيد عن مصالح الناس واهتماماتهم، ولا يستطيع أحد في حالة عدم قبول البرلمان أو الحكومة أو رئيس الجمهورية للرأي الفقهي لهيئة كبار العلماء أن يضمن عدم التشكيك في أعضاء البرلمان أو الحكومة أو الرئيس واتهامهم بالخروج عن الشرع وتكفيرهم.

وخطورة الدولة الدينية لا تتوقف عند حد اللجنة الاستشارية فحسب بل هي تمتد إلي قضايا أخري هامة منها التمييز ضد الأقباط والمرأة وحديثهم عن الاقتصاد الإسلامي، فنري أنه بعد تأكيد برنامجهم علي المساواة وتكافؤ الفرص وعدم التمييز بين المواطنين في الحقوق والواجبات علي أساس الدين أو اللون أو الجنس، يقول البرنامج «باستثناء منصب رئيس الجمهورية فيشترط فيمن يتولاه أن يكون مسلما، وللمرأة كافة الوظائف الإدارية فيما عدا منصب رئيس الجمهورية» وفي فقرة أخري يتحدث عن تمكين المرأة من كافة حقوقها، ثم يتناقض ذلك مع شرط وضعه هو «تكون ممارسة هذه الحقوق بما لا يتعارض مع القيم الأساسية للمجتمع» ولم يحدد هذه القيم، ثم يضع قيودا أخري «نري أهمية تحقيق التوازن في أدوار المرأة وتفعيل دورها في الأسرة والحياة العامة دون أن نفرض عليها واجبات تتعارض مع طبيعتها أو مع دورها في الأسرة» وبهذا يحرم الإخوان المسلمين الأقباط والمرأة من رئاسة الدولة ورئاسة الوزارات، ويقول د. محمد مرسي «عضو مكتب إرشاد الجماعة» إن حرمان الإقباط من تولي رئاسة الدولة يستند إلي فتوي الأزهر نفسه التي أقرها رأفت فهيم عثمان وجاء فيها «لا يجوز باتفاق علماء الأمة الإسلامية أن يتولي رئاسة الدولة الإسلامية غير المسلم».

ورغم اعتراض اثنين من قيادات الإخوان «عبدالمنعم أبوالفتوح وجمال حشمت» علي الاقتراح الخاص بهيئة كبار العلماء ومنع الأقباط والمرأة من تولي رئاسة الدولة ورئاسة مجلس الوزراء، إلا أن عصام العريان أكد أن المسموح به هو الحق في الترشيح لهذه المناصب وليس في توليها.

ويقول كمال الهلباوي المتحدث السابق باسم التنظيم الدولي للإخوان «نحن لسنا في ولاية عظمي لا يجوز أن تتولاها امرأة، فمثل مارجريت تاتشر تعمل لصالح بلادها أفضل من 100 رجل لا يعملون لصالح بلادهم».

وفي نقطة أخري لا تقل خطورة عما سبق يدور الحديث عن «الاقتصاد الإسلامي»، ويتم الاقتصاد الإسلامي وفقا لنظامهم من خلال السوق الإسلامية وقوي العرض والطلب، وفي ظل ملكية متعددة تشمل الملكية العامة وملكية القطاع العام ويعتبر القطاع الخاص هو القاطرة التي تقود التنمية في ظل اقتصاد السوق، وعندما يتعرض البرنامج لمشكلة «الفقر» يقترح خطوات تنفيذية تقوم علي أعمال الخير والإحسان أموال الصدقات والزكاة التي تدعم برامج الرعاية الاجتماعية وصناديق التكافل لجمع التبرعات، فضلا عن ذلك هم يرون أن فوائد البنوك ربا ويطالبون بنوع من الإحلال التدريجي، بالإضافة إلي ذلك هم يطالبون بإلزام السياح الأجانب بضرورة تعرفهم إلي ضوابط الشريعة الإسلامية قبل أن تطأ أقدامهم مصر، فضلا عن ذلك هم يؤيدون الخصخصة.

هذه كانت أهم ملامح مشروع برنامج الإخوان المسلمين، وكلها تتعارض مع المصلحة العامة، فهل يمكن للجماعة أن تراجع هذا البرنامج أم أن هذا يعد من الثوابت ومستحيل تغييره


© 2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com