Print

 هل أنت مسيحية؟ تأملات في مسألة المواطنة


 
 انيسة عصام حسونة

يدفعني إيماني العميق بأهمية قضية المواطنة بالنسبة لمستقبل هذا الوطن إلي المشاركة في العديد من الأنشطة الداعمة لهذا المفهوم ووسائل ترسيخه لدي الشباب، وكان لا يثير قلقي في هذا الشأن، مثلي في ذلك مثل الكثيرين من أبناء جيلي الذين تشربوا بقيم التسامح واحترام التنوع، سوي تصاعد نبرة التعصب وتصنيف المواطنين حسب انتماءاتهم الدينية من جانب بعض من كنت أعتبرهم مجموعة محدودة من التيارات المتعصبة التي لا تدرك المخاطر التي يمكن أن تهدد تماسك المجتمع المصري من أثر هذه التوجهات، ولكنني اليوم أعترف بمزيد من الأسي بأن إيماني بجدوي المجهودات المبذولة في هذا الشأن قد تلقي ضربة مؤثرة بسبب سؤال بسيط ومختصر هو: هل أنت مسيحية؟

 

دعوني أعود بكم إلي أول القصة التي بدأت بقيام أحد المواطنين، بالمخالفة للقانون، بافتتاح محال تجارية في عمارته المقامة أمام منزلنا ولإضفاء غطاء من «الشرعية» علي تصرفاته، فقد قام بإنشاء مسجد بالعمارة ذي امتداد خارجها بفراشة قائمة علي أعمدة تسد الشارع الذي لا يتجاوز عرضه أمتاراً قليلة، وذلك إن كان عاجبنا، ولم يكتف جارنا العزيز بذلك، بل قرر افتتاح المسجد بحفلة مذاعة بالميكروفونات الصداحة لتقديم التهاني وإلقاء الخطب وقراءة القرآن، ونظراً لأن البساط أحمدي وكل واحد ونفوذه وشطارته وتربيطاته، فقد استمرت هذه الاحتفالية منذ الصباح حتي المساء.

وحيث إنني مواطنة تحترم مبدأ حل الخلافات عن طريق اللجوء إلي القانون، فقد قررت بعد أن فاض بي الكيل من الإزعاج الصوتي المستمر دون أدني أمل في الراحة أو الهدوء، أن أتصرف مثلما كان يفعل «عماد حمدي» في الأفلام العربية القديمة وأتصل بشرطة النجدة آملة أن يتفهم القائمون عليها ما أعانيه ويهبون لإنقاذي وعائلتي من هذا الغزو السمعي الجديد، وعليه توكلت علي الله واتصلت بالرقم الشهير ١٢٢، ولدهشتي السعيدة سمعت رسالة إلكترونية «ذكية» تطلب مني الانتظار حتي يرد علي أحد المسؤولين عن الخدمة، وبالطبع انتظرت مستبشرة خيراً، لأن المقدمات كانت تبعث علي التفاؤل، وأثناء الانتظار عشت في أحلام اليقظة، متخيلة منظر عربة النجدة الحديثة ذات الأنوار الحمراء والزرقاء، مثل الأفلام الأمريكية هذه المرة، التي ستسارع إلي نصرتي وتفرض سطوة «دولة القانون»، ورأيت بعين الخيال ارتعاش جارنا المخالف خوفاً من العواقب وهرولته لإزالة المخالفات، ثم وضعت سيناريو «تعليمي وإرشادي» لجلستي المسائية بين عائلتي، متفاخرة بحكمتي وأسلوب تصرفي المتحضر المتفق مع «الشرعية والقانون».

وأفقت من هذا الحلم الجميل، الذي ردت فيه الحقوق إلي أصحابها، علي صوت أحدهم متسائلاً عما أريد، فشرحت شكواي محافظة علي قواعد الاحترام الواجب اتباعها عند مخاطبة ممثلي «الأجهزة السيادية»، فسألني محدثي مستزيداً من التفاصيل «وماذا يذيع في الميكروفون؟» فأجبت بسذاجة (وهذا توصيف واقعي لإجابتي في ضوء ما أدركته لاحقاً) «يذيع قرآناً وأدعية وما شابه»، فأتاني السؤال الصاعقة «هل أنت مسيحية؟»، ولأنني كنت مازلت سادرة في سذاجتي فقد أجبت دون أن أتوقف عند مغزي السؤال في مثل هذه القضية «لا بل أنا مسلمة»، فرد علي السائل مرحاً ضاحكاً «طيب أمال إيه بقي اللي مضايقك.. ده حتي سماع القرآن والأدعية حلو»..

وأصارحكم القول فإنني قد أسقط في يدي للحظة محاولة الربط بين ما أطالب به من حقي في عدم الإزعاج وبين التفسير «الديني» لشكوي مواطنة عادية!!، وهل أستنتج من ذلك أنني لو كنت أشكو من ميكروفونات كنيسة لكان الوضع قد اختلف؟ وبافتراض أنني كنت مسيحية فماذا سيكون السؤال التالي لمحدثي؟ولأنني أؤمن بالمشاركة، مثلما أؤمن بالمواطنة، فإنني أتبرع هنا بتوزيع جوائز عينية ثمينة سيتم الإعلان عنها لاحقاً -من خلال ميكروفون جارنا العزيز ضماناً للبركة- لمن يقدم تفسيرات منطقية مقبولة لهذا النوع من الأسئلة المرتبطة بالخدمات المفروض تقديمها للمواطنين علي قدم المساواة دون تمييز، وهل يا تري أصبحت انتماءات المواطن، أياً كان نوعها، تعتبر من معايير التصنيف أو التقييم لدي اتخاذ قرار توفير الخدمة؟!

وإذا كان الأمر كذلك، فهل لي أن أقترح تسهيلاً للإجراءات، وتعميماً للفائدة، إنشاء وحدات إدارية، منفصلة متصلة مثل مسلسلات التليفزيون التي تتناول فكرة موحدة، يتناول بعضها شكاوي المسلمين والآخر شكاوي المسيحيين، آخذين في الاعتبار أن ترد الرسالة الصوتية للأولي قائلة «السلام عليكم» بينما تقول الثانية «مساء الخير أو سعيدة»، وبذلك نتفادي تداخل الشكاوي والطلبات ونضمن وصول صوت كل مواطن إلي الفريق الذي يناصر مواقفه مع تمنياتي لكم جميعاً بالفوز بالجوائز الثمينة، وكل عام وأنتم بخير