Print

فى دراسة حديثة: علاقة المادة الثانية من الدستور بالسياسة والأقباط فى مصر

  24/11/2006 عرض :هانى دانيال

في محاولة جادة نحو التعرف على إشكالية العلاقة بين القانون والدين ومبدأ المواطنة فى الدستور المصرى خاصة بعد أن نصت المادة الثانية من الدستور بعد تعديلها سنة 1980 على أن الشريعة الاسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع ، أعد الدكتور والفقيه القانوني محمد نور فرحات أستاذ القانون الدستوري دراسة جادة حول الدين والسياسة في الدستور المصري،والنتائج المترتبة على وضع المادة الثانية وتعديلها عام 1980،وعلاقة هذه المادة بالأقباط في مصر.

 فمن الناحية التاريخية كانت الشريعة الإسلامية فيما قبل إنشاء المحاكم الأهلية فى مصر سنة 1883 هى الشريعة العامة التى تطبق على كافة العلاقات القانونية فى مجال المعاملات وفى مجال التجريم والعقاب بالنسبة للمصريين المسلمين .

أى أن الأحكام المستمدة من الدين كانن بصفة عامة هو المصدر العام للقانون وذلك فى غير ما وردت به نصوص تشريعية خاصة صادرة من عاصمة الدولة العثمانية أو من حاكم مصر فى حدود ولايته وهذه كانت أغلبها فى علاقات القانون العام .

 وخلت الوثائق الدستورية التى عرفتها مصر فى بداية إطلالها على التنظيم الدستورى الحديث من أى إشارة إلى دين للدولة أو إلى الشرائع الدينية كمصدر للتشريع . يصدق ذلك على لائحة تأسيس مجلس شورى النواب سنة1866 والأمر العلى لللائحة مجلس النواب الصادر فى فبراير سنة 1882 والقانون النظامى المصرى الصادر فى مايو 1883 والقانون النظامى رقم 29 لسنة 1913 المختص بالجمعية التشريعية المصرية ،

والواقع يقول أن النص فى الدستور على أن الاسلام دين الدولة لم تعرفه الدساتير والوثائق القانونية الأساسية فى مصر إلا مع صدور دستور 1923 إذ نص فى المادة 149 منه على أن الاسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية .

ثم تبنت الدساتير اللاحقة هذا النص فورد بعباراته فى المادة 138 من دستور 1930 والمادة الثالثة من دستور 1956وإن كان قد جرى إغفاله فى دستور الجمهورية العربية المتحدة المؤقت لعام 1958

وفى الاعلان الدستورى الصادر فى سبتمبر 1962 إلا ـن النص عليه عاد مرة ثانية فى المادة الخامسة من دستور سنة 1964 .  

أشار الفقيه القانوني إلى أن دستور 1971 خطا خطوة أكثر إيغالا فى الربط بين القانون والدين لأن الرئيس السادات كان يبحث عن شرعية جديدة تميز نظامه عن نظام يوليو 1952 وتمثلت هذه الشريعية فى اكتساب الدولة طابعا دينيا فيما عرف وقتئذ بدولة العلم والايمان فلم تكتفى المادة الثانية من الدستور على أن الإسلام دين الدولة كما كان الحال فى الدساتير السابقة بل اعتبرت الشريعة الإسلامية مصدرا رئيسيا للتشريع .

والواقع أن هذه أول مرة فى التاريخ القانونى المصرى الحديث يكتسب الربط بين النظام القانونى والشريعة طابعا دستوريا منذ العدول عن اعتبار فقه الشريعة هو النظام القانونى الحاكم والأخذ بنظام التقنينات الحديثة سنة 1883 ،بعد أن أدخلت هذه المادة إلى الدستور المصرى لأول مرة فى دستور 1971 وعدلت سنة 1980 لتصبح الشريعة الإسلامية مقتضاها هى المصدر الرئيسى للتشريع بدلا من كونها مجرد مصدر رئيسي دون أداة التعريف .

 و جرى مع هذا التعديل فى سلة واحدة تعديل آخر للمادة 77 من الدستور بإطلاق مدد ولاية رئيس الجمهورية دون حد أقصى . وهكذا صوت المصريون وقتئذ بالموافقة على أن تكون الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع مثلما صوتوا بالموافقة على أن يكون رئيسهم رئيسا إلى الأبد . أوضح بقوله" لا يستطيع أحد أن ينكر أن التعديل الذى جرى على هذه المادة قد أثار حساسيات شديدة لدى الإخوة الأقباط فى مصر أو فى خارجها ،حساسيات يعلن عنها تارة وتضمر فى النفوس تارات أخرى وهم الذين يذكرون أن دساتير مصر فيما قبل 1956 لم كن تتعرض لمسألة كون الشريعة مصدرا للتشريع من قريب أو بعيد ، وصاحب هذه الحساسية أو لنقل نجم عنها ، مجموعة من المعلومات غير الصحيحة عن الدور الذى لعبته المادة الثانية من الدستور بعد تعديلها فى إشاعة الفرقة بين الأقباط والمسلمين وفى تدنى الوضع القانونى للأقباط ،وهى معلومات راجت فى ظل مناخ غير صحى بالمرة كرسه التصريح الشهير للرئيس أنور السادات الذى أعلن فيه أنه " رئيس مسلم لدولة مسلمة " مما أعطى انطباعا أن الأقباط قد صاروا تطبيقا للمادة الثانية من الدستور مواطنين من الدرجة الثانية "!!!

 وبنظرة عامة قال الدكتور فرحات أن عدد المسلمين فى العالم يبلغ ما يربو على البليون والثلاثمائة مليون نسمة يعيش بليون منهم فى أربعة وأربعين دولة ذات أغلبية إسلامية أما الباقون فيعيشون فى دول غير إسلامية . ومن هؤلاء الذين يعيشون فى دول إسلامية يعيش 28% منهم فى بلدان عشرة تعلن دساتيرها أن الدولة بها هى دولة إسلامية ، وهذه الدول هى أفغانستان والبحرين وبروناى وإيران والمالديف وموريتانيا وعمان وباكستان والعربية السعودية واليمن ، وفضلا عن ذلك ثمة إثنتا عشر دولة أخرى نصت دساتيرها على أن الإسلام دين الدولة دون أن ينعكس ذلك على طبيعة النظام السياسى فى الدولة ، وهذه الدول هى الجزائر وبنجلاديش ومصر والعراق والأردن والكويت وليبيا وماليزيا والمغرب وقطر وتونس والإمارات ، أى أن اثنتين وعشرين دولة يعيش يها ما يقرب من 58% من مسلمى الدول الإسلامية ( 600 مليون نسمة ) ربطت بين الدين والدولة على نحو ما فى دساتيرها .

 وعلى الجانب المقابل ثمة إحدا عشر دولة تعيش بها أغلبيات مسلمة نصت دساتيرها صراحة على أن الدولة بها هى دولة علمانية .وتضم هذه الدول العلمانية ذات أغلبية السكان المسلمين قرابة مائة وأربعين مليونا من السكان .وهذه تشمل بوركينا فاسو وتشاد وغينيا ومالى والنيجر والسنغال وأذريبجان وكيرجستان وطاجيكستان وتركمانيا ،وتبقى بعد ذلك إحدا عشر دولة أخرى من بين الدول ذات الأغلبية الإسلامية لم تتضمن دساتيرها أى إشارة إلى الطابع الدينى أو الطابع العلمانى للدولة ، ومن هذه الدول ألبانيا ولبنان وسوريا وجزر القمر وجيبوتى والصوال وغيرها ،وتضم هذه المجموعة الأخيرة دولة إندونيسيا التى هى أكبر الدول الإسلامية فى العالم حيث تضم 250 مليون مسلم .  ولاحظ كثير من الباحثين بحق فإن النص فى الدستور على أن الإسلام دين الدولة الرسمى أو أن الشريعة هى مصدر التشريع أو المصدر الرئيسى له لا يترتب عليه بالضروة أن تتحول الدولة من دولة مدنية إلى دولة دينية أو أن يتحول غير المسلمين إلى أقلية دينية منقوصة الحقوق .

فالغالب أن هذه النصوص لا تؤدى إلى إحداث انقلاب فى النظام التشريعى وإنما أدخلت هذه النصوص فى العديد من دساتير الدول ذات الأغلبية الإسلامية لظروف سياسية ارتبطت بعملية الصراع السياسى بين النظم الحاكمة وجماعات الإسلام السياسى ،بل والأهم من ذلك تمكنت المحكمة الدستورية العليا في العديد من أقضيتها من إقرار مبادئ حالت بين أن يؤدى النص فى الدستور على أن أن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع إلى أن تتحول مصر إلى دولة دينية . 

وعلى الرغم من أشار إلى أن أقباط مصر لهم مشكلات ، وهى مشكلات لا ترجع إلى البنية القانونية للمجتمع المصرى ، و لا ترجع إلى تأثير المادة الثانية من الدستور التى لم تحدث كما رأينا انقلابا فى النظام القانونى ، وإنما ترجع إلى مناخ ثقافى واجتماعى لا دخل للقانون به .   كما تطرق الفقيه القانوني إلى سؤال آخر يرتبط بمسألة العلاقة بين الدستور والدين وهو : هل من المناسب أن يقنن الدستور حصة مناسبة للأقباط وفقا لنسبتهم لعدد السكان فى الوظائف العامة وفى المجالس التمثيلية تشريعية كانت أم محلية ؟  الذين يجيبون على هذا السؤال بالإيجاب يستندون إلى مجموعة من الحجج ،وقام بعرضها كما يلي:

الحجة الأولى

تتمثل فى مبدأ المواطنة والمساواة أمام القانون ، فمن حق كل الجماعات الدينية والثقافية أن تعامل معاملة مساوية فيما يتعلق بتمثيلها فى جهاز الدولة تنفيذيا كان أم تشريعيا

،الحجة الثانية

تنطلق من ضرورة الإقرار بالتعددية الدينية والثقافية والاجتماعية كأساس لتنظيم المجتمع السياسى ،

الحجة الثالثة

 تتمثل فيما هو شائع اليوم عن ضرورة أن يقوم النظام السياسى الرسمى وفى مقدمته الدستور باعتباره الوثيقة القاونية الرئيسية بتقديم الدعم الإيجابى للفئات التى عانت من التهميش فى فترات تاريخية معينة بهدف إعانتها على الإنخراط فى المجتمع السياسى العام ، يتمثل هذا الدعم الإيجابى فى تخصيص حصص لأعضاء هه الجماعات الإجتماعية سواء فى الجهاز الوظيفى بالدولة أوفى المجالس النيابية .

 واستعرض ما يحدث في لبنان كمثال ،واعتبر الدستور اللبنانى فى مادته الرابعة والعشرين خير نموذج للتقسيم الطائفى للمواقع السياسية . ومع ذلك فالدستور اللبنانى ينظر إلى الطائفية السياسية على أنها إرث تاريخى بغيض يجب التخلص منه . وعلى ذلك تنص المادة 24 منه إذ تقول " .... وإلى أن يضع مجلس النواب قانون انتخاب خارج القيد الطائفى توزع المقاعد النيابية وفقا للقوعد الآتية :

أ – بالتساوى بين المسيحيين والمسلمين .

ب- نسبيا بين طوائف كل من الفئتين

ج- نسبيا ين المناطق .

 كما تنص المادة 95 من ذات الدستورعلى إلزام مجلس النواب المنتخب باتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية . معتبرا أن فكرة التوزيع الطائفى والدينى للمواقع السياسية فى الواقع كانت وما زالت فكرة مرفوضة بحسم من رواد حركة النهضة من أقباط مصر أمثال مكرم عبيد وويصا واصف وغيرهم ، وما زالت حتى اليوم فكرة مرفوضة ومستهجنة من التيار الوطنى الذى تمثله الكنيسة القبطية الأورثوذوكسية فى مصر ، فالعلاقات السياسية في الدولة الحديثة لا تقوم عى فكرة الولاء والانتماء الدينى وإنما تقوم على أساس من الولاء السياسى الذى يحكمه مبدأ الوحدة والتعدد فى نفس الوقت ، الوحدة فيما يتعلق بالمفاهيم الكبرى والأسس والدعائم السياسية للوطن : وطن واحد ترابه مقدس يمتلك فيه الجميع بقدر على أساس من مبدأ المواطنة والمساواة أمام القانون دون تمييز بسبب الدين أو اللغة أو العقيدة أو العرق .

 اختتم دراسته الجادة بقوله: مع التسليم بوجود مشكلات للتمييز يتعرض لها أقباط مصر فإن السؤال المهم هو : هو هل نعالج التمييز بتكريس الطائفية على المستوى القانونى والسياسى أم بانخراط الجميع فى برامج سياسية متعددة تقوم على أساس أن الدين لله والوطن للجميع وعلى أساس من مبدأ المساواة أمام القانون؟ فهذا هو السؤال الذي يستحق الإجابة عنه!!!