كارثة الحزب الدينى

17/12/2006

روزاليوسف - الدستور المصرى لابد أن يتضمن نصا صريحا يمنع إنشاء حزب سياسى على مرجعية دينية
أينما تكونوا يدرككم التكفير والقتل.. مادمتم تنتمون وتعيشون فى هذه المساحة الملتهبة الممتدة من المحيط إلى الخليج.. المساحة المسكونة بالأفكار الشاذة.. والتناقضات البشعة.. والرغبات المتوحشة.. والإيمان المطلق بأن رحلات الانتحار الجماعى هى العربون لضمان الوعد المؤجل.. الجنة.

بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى، حصل باحث سعودى على درجة الدكتوراة من جامعة محمد بن سعود، عن رسالته «الانحراف العقدى فى أدب الحداثة وفكرها».. الباحث، عن فتنة، كفر مائتى مثقف هم الألمع والأشد تأثيرا فى الشارع العربى.. اعتبرهم مرتدين.. دماؤهم مستباحة.. وصف الشعراء الحداثيين بأنهم شعراء الدعارة والعهر والإلحاد والكفر، والضلال والظلام والشرك النجس. الباحث أنهى رسالته الملغمة بفتوى صادرة عنه شخصيا تجيز قتل المائتى مثقف. لا مفر - إذن - من الاعتراف بأن هذا الفكر السلفى قد انتشر وتغلغل فى شوارعنا وحوارينا بصورة تثير الفزع.. يوما بعد يوم، يكسب «الحزب الدينى» عقولا وقلوبا جديدة، يغسلها بسرعة مذهلة ويحولها إلى أداة للقتل بإغواء شيطانى ماكر، هو الحفاظ على ثوابت الدين.. وهم باسم الدين يصنعون إلها جديدا مولعا بالقرابين ورائحة شواء أجساد البشر.
هذه هى الحقيقة التى تجسدها رسالة تكفير «روزاليوسف» المجلة والسيدة التى أسستها والتاريخ.. وصورة ميليشيا طلبة الإخوان وهم يستعرضون حركات الموت فى حرم جامعة الأزهر معقل الاعتدال والوسطية، والأمل فى استعادة روح الإسلام التى يشوهها أعضاء الحزب الدينى. نحن، أسرة روزاليوسف على الأقل، لا نرى بديلا عن مواجهة هذا الحزب الفاشى الدموى.. وبوسائلنا التى تستند إلى صحيح الدين، وآليات العقل والمنطق، والبحث العلمى «الحقيقى»، نواصل تفكيك الحصار الذى فرضه الحزب الدينى على أماكن وكوادر كانت معنية بالمقاومة ربما أكثر من غيرها.. لكنها الآن رهن الاختطاف من هذا الحزب. هذا ما حذرت منه د.سعاد صالح عندما صدمتنا بأن الرسالة التى كفرت روزاليوسف، المجلة والسيدة والتاريخ، ليست أول رسالة تكفير تخرج من الأزهر.. هناك رسالة أخرى كفرت المستشار سعيد العشماوى.. والدكتورة سعاد رفعت مذكرة بالواقعة للمعنيين بالأمر. فتفضلوا مشكورين بحفظها فى ثلاجة الروتين.. فقالت الدكتورة: أخاف على الأزهر من الاختطاف.. الإخوان نجحوا فى اختطاف النقابات.
صدمة د.سعاد سلمتنا لصدمة أخرى أعنف وأكثر خطورة، هى تلك التجاوزات الرهيبة التى جعلت كلية أصول الدين الأزهرية أشبه بـ «العزبة».. ملكية خاصة.. سطو علنى، سافر على أعمال الغير.. إلغاء صندوق الزمالة دون إبداء أسباب.. تجميع الأساتذة والمعيدين فى صورة «الخولى» الذى يلم الطلبة إلى المحاضرات والسكاشن. كلية أصول الدين ليست الوحيدة التى انفردت بتوصيف ملاكى.. فقد شاركتها جريدة «صوت الأزهر» نفس الوصف.. هى - حسب الرصد الدقيق لـ 12 عددا نشرت بالتتابع على مدار ثلاثة شهور - صوت شيخ الأزهر.. همها تغطية تحركات الإمام الأكبر، وجلساته، وخطبه، ومقاله باللغة العربية ومترجم إلى اللغة الإنجليزية.. عدد مهول من صور الإمام تحفل بها الجريدة.. هذا الاهتمام الذى يتماس مع النفاق يأتى على حساب دور الجريدة فى مقاومة الأفكار القبيحة التى تستغل الدين.. لكنها لا تفعل، ولن تفعل، فرئيس تحريرها لا يرى فى هذا العالم غير الإمام الأكبر وبالأدق منصبه الاعتبارى.. وربما لم يخطر بباله أن يأتى عليه يوم يسبق فيه اسمه لقب رئيس تحرير.. فقرر حفاظا على اللقب أن يتحول إلى موظف ضبط موجته على موجة صاحب قرار تعيينه والسبب فى بقائه.
الحزب الدينى - حسب د.منى أبوسنة - نشر الفكر اللاعقلانى.. تغلغل فى مؤسسات المجتمع.. وصل إلى عقول طلبة المدارس والجامعات.. فى الواقع.. الحزب بدأ مرحلته الثالثة.. مرحلة نفى الواقع وتكفيره وتلك هى الكارثة. الكارثة ترسمها بدقة متناهية تصرفات «مجموعة الـ 88» فى البرلمان.. مجموعة نواب يغازلون المشاعر البدائية، البسيطة بمطاردة الأشياء السطحية، التافهة.. كيف يعقل فى هذه الأوقات العاصفة أن يكون شاغلهم المساحة العارية فى أجساد هيفاء وهبى، ونانسى عجرم وأليسا.. صحيح أن هذا الطلب ينسجم مع شخصية مقدمه، النائب الذى ابتز محافظ القليوبية بالفصول الطائرة.
لكن.. ماذا عن الآخر الذى اتهم يسرا بالتطاول على الدين لأنها قالت أن الرقص ليس غريبا علينا.. وهناك من طلب منع القبلات فى الأفلام، ومن طلب منع تداول العروسة باربى.. ومن طلب سرعة تصنيع عقار الفياجرا.. ومن طارد روايتى «أحلام محرمة»، و«أبناء الخطأ الرومانسى» دون قراءة.. فقط لمجرد أن العناوين موحية.
لن يقتنع أعضاء الحزب الدينى من الخليج إلى المحيط بما كتبه المفكر الإسلامى الشهير خالد محمد خالد: الدين نبوة لا ملكا.. هداية لا حكومة.. موعظة لا سطوا.. ضمير لا جلادا.. فإن اقتنعوا تختل المعادلة، ويسكنون الظل وتصبح الحياة آمنة.. وهم لا يريدون ذلك ويجاهدون بالغالى والرخيص لصناعة الفتن التى تضمن لهم تحويل الأمان إلى أمنية غير قابلة للتحقيق. الحزب الدينى يخاف العقل لأنه يكشفه.. يرعبه النور لأنه يفضحه ويكشف عورته القبيحة.. تؤرقه الحرية لأنها تواجهه بعقده المخجلة ومركبات نقصه التى تدفعه إلى حرمان المرأة من حقوقها. وتحجيبها جسديا وفكريا.. حاصروها فيما يتعين عليها أن ترتديه.. رموها بالخطيئة حتى صدقت أنها الضلع الأعوج، وأنها تحتاج إلى ستار يخفى هذا الاعوجاج. هى أيضا لا تصدق، ولا تريد أن تصدق أن الرجال والنساء كانوا ايام الرسول - صلى الله عليه وسلم - يناقشون القضايا الثنائية الخاصة.
وغدا ستظهر دعوة جديدة تفرض على الرجل ارتداء الجلباب.. ستتوفر له هو الآخر أغطية يخفى بها فشله فى التواصل مع الحياة.. والحقيقة. كما صاغها مأمون البسيونى.. أن إرهاب الحزب الدينى يدفعنا إلى تيه من العنف بلا نهاية.
أعضاء هذا الحزب الدينى الذى يتمدد مثل سرطان مميت من المحيط إلى الخليج، ومهما اختلفت مسمياته، حماس. الإخوان. حزب الله. مفتون بالثورة الإيرانية.. وهذا الإمام المغامر الذى استغل المشاعر البدائية فى صناعة نموذج يستمد منه الحزب جرأة القيام بأكبر رحلة انتحار جماعى عرفتها المجتمعات التى تدعى التدين ومعرفة الله.
بصورة عشوائية.. ينتشر الحزب الدينى ويتفرع بنفس منهج الخلايا السرية التى تنمو وتتضخم فى الظلام.. ذلك أنه ومن حسن طالع البشرية أن أغلب دساتير العالم تحظر إنشاء حزب سياسى على أساس دينى.. فالمشاعر الدينية تصلح دائما للعب دور ضمير الأمة فقط.. بدون سلطة الفعل.. إذ أن حصول مثل هذا الحزب على هذه السلطة، ينفى الآخر بالتبعية.. ويأخذ المجتمع إلى الهاوية.
وحتى لا تكون الهاوية نهايتنا فإنه يتعين صياغة مادة جديدة فى الدستور المصرى تمنع إنشاء حزب سياسى على أساس دينى وألا نكتفى بالحظر الذى يؤكد عليه القانون


© 2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com