Print

سرور والتمهيد لحرب أهلية

سامي حرك*

 ليس أمام الشعوب سوى الحوار السلمي بين فئاتها المتباينة، ولا يناسب  طريقة الحياة المتقدمة التي بلغتها البشرية في طورها الأخير سوى التفاهم، حيث ما يبدو ثابت اليوم هو متغير الغد، وما لا يمكن الإقتراب منه حالاً، قد تلزم إزالة بعضه أو كله مستقبلاً، وهكذا هي الحياة، و ما يجب أن تكون عليه الحال !!!  

يبدو الأستاذ الدكتور أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب المصري في تصريحاته الأخيرة أمام مؤتمر مركز البحوث والدراسات السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية، وكأنه يقرر بعدم جدوى قيمة الحوار السلمي، وكأنه لا يرى أهمية للتفاهم، فهو يميل إلى أحد الجوانب ويتعصب له ثم يقرر أن لا فائدة من أي شئ آخر، مغلقاً الباب أمام الآخر، وبأن لا أمل في تغيير الأوضاع ..

 

طبعاً بالحوار السلمي أو التفاهم !!! سرور يقرر بأنه لا يمكن تغيير مادة الدولة الدينية بالدستور المصري، فالدولة كائن طبيعي لها دين واحدٌ أحد تصلي وتصوم به !!! ولها لغة وحيدة لا تنطق بسواها !!!

والمصريون عربٌ أقحاح رغم أنف التاريخ والجغرافيا ورمسيس والأهرامات !!! والمصدر الرئيسي للتشريعات التي ستعالج قضايا القرن الواحد والعشرين وما بعده يلزم أن تستند إلى المبادئ العبقرية التي توصل إليها بدو صحراء غرب آسيا منذ أربعة عشر قرناً أو يزيد !!! 

الدكتور يتبنى آراءً أعرف أنه لا يعتقد في صحتها، فأحاديثه الحميمة في الصالونات وقديماً في مدرجات كليات الحقوق تقول بعكس ذلك كله، بل وتعارضه وتندد به، فما السبب ؟؟؟ إنها لغة وآراء المصالح الخاصة، فهو يكشف ورقة الزواج العرفي بين حكومة الحزب الوطني والأخوان من ناحية، كما يطمئن حلفائه الملتحين والمنقبين في دائرة السيدة زينب الإنتخابية بأنه ملتزم بمنهجهم، مروج لأفكارهم، حافظ لثوابتهم، لعلهم يسندوه ويدعموه كما فعلوا معه بالإنتخابات السابقة !!! 

حُجة الفقه الجنائي، كما كان يحب أن يدعوه تلاميذه وموكليه، أصبح أيضاً حُجة في الفقه الدستوري، فإصطنع مصطلحاً يبدو علمياً، والأصح أنه إستدعى محاولة قديمة من بعض فقهاء القانون الدستوري للتمييز بين مبادئ القاعدة الدستورية، فقال بوجود "قواعد فوق دستورية"، فجعل التصور النظري التخيلي واقعاً، وحقق لأساتذة القانون الدستوري ما لم يتصوروا وجوده خارج ملازم الكتاب المقرر على طلبة الحقوق، ولابد أن الخطوة القادمة هي خروج مدونة القانون "فوق الدستوري" للنور !!! وستؤسس لها بالطبع محكمة "فوق دستورية" !!! ليترأسها سرور بكل سرور!!! ولم لا ؟؟؟ فهو أستاذ القانون النابه، والمحامي البارع، والوزير الذي ألغى سنة سادسة، والنائب الرئيس للمجلس التشريعي طوال ثمانية عشر عاما، كما أنه المروج للفكرة وباعثها من القبور!!! 

الأستاذ الذي إلتحق باليونسكو ودرس بالسوربون، كفر بالدولة المدنية، فضلا عن الدولة العالمانية، وإلتحق بكتائب الجماعات الدينية الجالسة تحت قبة مجلس الشعب، فبمجرد أن وصلته رسائل التأييد والمباركة من مكتب الإرشاد على موقفه البطولي في قضية الحجاب، والتي كانت عربوناً، قدم دفعة التعاقد، مضحياً برفاق الأمس القريب، مغلقاً الباب بالضبة والمفتاح أمام العالمانيين الليبراليين المطالبين بدستور عالماني، فقد حسم الدكتور ولاءاته، وحدد خياراته، وعلى المختلفين معه ومع الحكومة والإخوان في ذلك، أن يجلسوا في بيوتهم، وليشكروا الرب "سرورا" أن ترك لهم بيتاً يؤيهم !!! 

بالأمس القريب قالت المحكمة الإستثنائية المشكلة للنظر في طعون الأحزاب قولاً  ضد العالمانية وضد الهوية المصرية برفض تأسيس "حزب مصر الأم"  !!! ثم إضُطر فاروق حسني ليعتذر عن رأيه الشخصي في الحجاب، بل تجرع السم كما فعلت جدته كليو باترا ووصم معارضي الحجاب بالجنون !!!

واليوم أصدر الدكتور سرور مرسوماً وأمراً نهائياً بغلق هذا الباب، وإنهاء ذلك الحوار، فلا حاجة لمفاهمات مع من لديه العلم الشرعي،  ولا مناقشة للقواعد الفوقية !!! فهل يستسلم مؤيدي العالمانية في مصر ؟؟؟ وهم كثيرون ومنشرون في كل مكان، أم أن منع وكبت الأصوات المؤيدة للعالمانية، وحظر إنتماء المصريين لأجدادهم الفراعنة، سيضطر هؤلاء وأولئك إلى سبل جديدة ؟؟؟ *

المحامي بالنقضوكيل مؤسسي حزب مصر الأم