Print

 

الإخوان‏..‏ وجهازهم السري

سبت  23 ديسمبر2006

د‏.‏ رفعت السعيد

في تصريح للأستاذ مهدي عاكف ـ الذي كان أحد قادة الجهاز السري للإخوان ـ أكد أن ما يسمي الجهاز السري هو مجرد خرافة وزعم غير حقيقي‏..‏ وفي تصريحات سابقة لبعض من القادة التاريخيين للجماعة‏,‏ قالوا إن الجهاز كان موجودا ولكن لمحاربة الاستعمار والصهيونية ثم انتهي دوره‏..‏ وخلاص‏,‏ لكن المرشد وفي واحدة من تجلياته المتكررة‏,‏ أعلن أن لدي الجماعة عشرة آلاف مقاتل مدربين علي القتال‏,‏ فثارت أسئلة عديدة‏:‏ متي تدربوا؟‏..‏ وأين؟ ولماذا؟ وماذا لو أن‏..‏؟

 

ثم كانت الذكري المئوية لميلاد الأستاذ حسن البنا‏..‏ وهنا انبري البعض ليزعم ما لا يمكن‏ تصديقه وليدعي أن الإخوان لم يقوموا في تاريخهم بأي عمل إرهابي‏,‏ وإنهم حتي لم يقتلوا المستشار الخازندار‏,‏ ثم كانت المظاهرة الإخوانية ذات الطابع العسكري التي قاموا بها في جامعة الأزهر‏,‏ والمحاولة الخجولة للمداراة عليها‏.‏

الأمر الذي يدفعنا إلي محاولة فحص موضوع الجهاز السري من جديد لنري مدي الصدق في هذه المزاعم‏.‏

ولعل الحقيقة يمكنها أن تتضح من مطالعة اعترافات مثبتة في عشرات من الكتب الإخوانية أفلتت فيها حقائق مذهلة‏.‏

وسوف نستند هنا إلي كتاب معنون حقيقة النظام الخاص ودوره في دعوة الإخوان المسلمين للأستاذ محمود الصباغ‏,‏ وهو أحد مؤسسي الجهاز الخاص‏(‏ السري‏)‏ باعترافه الصريح‏..‏ ويكتسب هذا الكتاب قيمته من أنه صدر عام‏1989‏ أي في ظل الادعاء الإخواني بعدم وجود مثل هذا الجهاز‏,‏ ومن أن كاتب مقدمته هو الأستاذ مصطفي مشهور وقد كتبها وقت أن كان مرشدا للجماعة‏.‏

والمؤلف يؤكد أن المسئول الأول عن الجهاز هو المرشد‏(‏ الأستاذ حسن البنا‏),‏ وأن خمسة من قادة الجماعة الأساسيين‏(‏ د‏.‏ خميس حميدة ـ الشيخ محمد فرغلي ـ د‏.‏ عبدالعزيز كامل ـ د‏.‏ محمود عساف‏,‏ وعلي رأسهم المرشد‏)‏ كانوا مسئولين عن إدارة الجهاز‏.‏

ويؤكد المؤلف عبر مئات من الصفحات أن اغتيال أعداء الدعوة أي أعداء الله ـ هكذا يؤكد هو ـ جزء من العقيدة الإسلامية‏,‏ بل هو يمجد مثل هذا القتل ويعتبره انتصارا للإسلام‏..‏ وهو يتحدث عن اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات قائلا وبالنص‏:‏ إن السادات قد بلغ قمة الاستبداد والتأله علي شعب منحه حبه وضحي معه بدمه عزيزا علي أرض المعركة‏,‏ وهو ظلم لا يرضي عنه خالق السموات والأرض فسلط شبابا من شباب مصر‏,‏ وأظلهم بظله فباغتوه في وضح النهار وهو في أوج زينته وعزه‏.‏ يستعرض قواته المسلحة ولا يري فيهم إلا عبيدا له ينحنون‏,‏ وبقوته وعظمته يشهدون‏,‏ وإذا بهم سادة يقذفونه بالنار ويدفعون عن أنفسهم وصمة الذل والعار والشقاء‏,‏ وعادت‏,‏ لمصر عزتها‏,‏ وانتصر الله للمؤمنين نصرا عزيزا‏(‏ ص‏29)‏ فقط نتذكر تحالف الإخوان مع السادات‏,‏ وأنه هو الذي أخرجهم من السجون‏,‏ ومنحهم القدرة علي العودة للعمل السياسي من أوسع الأبواب‏,‏ ونتذكر أن المرشد هو صاحب مقدمة هذا الكتاب‏.‏ ويبقي أن نسأل ـ وبلا أي تحيز ـ من يمجد مثل هذا الاغتيال‏,‏ ماذا يكون موقفه من الإرهاب بشكل عام؟ ولماذا لا يتصور هو نفسه ورجال جماعته وهم سادة يقذفون بالنار ويدفعون عن أنفسهم وصمة الذل والعار والشنار؟ وهل يفسر لنا ذلك أن قادة الجماعة الجدد يؤكدون أنهم لا يقومون بأي فعل إرهابي‏,‏ لكنهم أبدا لا يدينون الإرهابيين ولا يستنكرون الإرهاب؟‏..‏ هل هي التقية؟‏..‏ أم أن الوقت لم يحن بعد؟‏..‏ أم ماذا؟

ويورد الكتاب عديدا من الروايات عن تخطيط وتنفيذ إخواني لأعمال إرهابية‏.‏ لكننا سنختار كمثال واحد فقط من هذه الروايات‏:‏واقعة اغتيال اثنين من أعضاء الجهاز السري للمستشار الخازندار‏.‏

ولكي نعرف الفارق بين الحقيقة‏..‏ وبين أقوال الجماعة نتأمل كتابتين‏.‏ ففي كتابه الأخير الذي سماه القول الفصل يدافع الأستاذ البنا عن جماعته وينفي أصلا وجود جهاز سري مسلح وينفي علاقة الإخوان من قريب أو بعيد بحادث اغتيال المستشار الخازندار‏,‏ ويؤكد أن كل ذنب الإخوان في هذا الحادث أن أحد المتهمين شاع أنه سكرتير المرشد العام‏(‏ ص‏14).‏

فما هي الحقيقة؟
سنطالع معا وبإيجاز صفحات من كتاب الأستاذ محمود الصباغ عندما علم فضيلة المرشد بصدور الحكم بسجن اثنين من الإخوان بتهمة إلقاء قنبلة علي أحد أقسام البوليس‏,‏ اغرورقت عيناه بالدموع وقال إن هذا القاضي يستحق القتل‏.‏ وعندما علم بأن اثنين من الإخوان أحدهما سكرتيره الخاص قتلا القاضي‏(‏ المستشار الخازندار‏)‏ غضب لأن القتل تم دون علمه‏,‏ لقد شعر البنا بأن الجهاز السري يفلت من يديه‏,‏ ولعل أكثر ما أغضبه أن سكرتيره الخاص شارك في الأمر دون إذن منه‏.‏ولعل الغضب كان في أكثره راجعا إلي رفضه أن يتم الأمر دون إذن منه‏..‏ وهذا ليس مجرد افتراض‏,‏ فالحقيقة تتضح بجلاء عندما نعود لنقرأ في ذات الكتاب أن المرشد قرر محاكمة قائد الجهاز السري وتشكلت المحكمة من عشرة من قادة الجماعة يرأسهم الأستاذ البنا‏..‏ ثم يأتي النص التالي حرفيا‏,‏ قال عبدالرحمن السندي إنه تصور أن عملية القتل سوف ترضي فضيلة المرشد‏,‏ ولأن المرشد يعلم عن السندي الصدق فقد أجهش بالبكاء‏,‏ ثم أصدرت المحكمة الإخوانية حكمها شديد الغرابة الذي يقول نصا‏:‏ تحققت اللجنة من أن الأخ عبدالرحمن السندي قد وقع في فهم خاطئ في ممارسة غير مسبوقة من أعمال الإخوان وتري أن يعتبر الحادث قتل
خطأ‏(!!),‏ حيث لم يقصد عبدالرحمن ولا إخوانه سفك نفس بغير نفس‏,‏ وإنما قصدوا قتل روح التبلد الوطني في بعض أفراد الطبقة المثقفة من شعب مصر أمثال الخازندار‏(!)‏ ولما كان هؤلاء الإخوان قد ارتكبوا هذا الخطأ في ظل انتمائهم إلي الإخوان المسلمين وبسببه‏..‏ فقد حق علي الجماعة دفع الدية التي شرعها الإسلام كعقوبة علي القتل الخطأ‏(!)‏ وأن تعمل الجماعة علي إنقاذ حياة المتهمين البريئين‏(!)‏ من حبل المشنقة فدماء الإخوان ليست هدرا‏,‏ ثم‏...‏ ولما كانت جماعة الإخوان المسلمين جزءا من الشعب‏,‏ وكانت الحكومة قد دفعت بالفعل ما يعادل الدية إلي ورثة المرحوم الخازندار بك‏,‏ حيث دفعت لهم من مال الشعب عشرة آلاف جنيه‏,‏ فإن من الحق أن نقرر أن الدية قد دفعتها الدولة عن الجماعة‏,‏ وبقي علي الإخوان إنقاذ حياة الضحيتين‏!(‏ ص‏265),‏ ولقد أضفنا للنص بضعة من علامات التعجب‏..‏ لكن كل علامات التعجب لا تكفي‏.‏

فقط نتأمل المنطق الإخواني‏..‏ فقتل القاضي قصد به قتل روح التبلد‏..‏ أما القاتلان فهما ضحيتان وبريئان نتأمل المنطق‏..‏ ونترك التعليق‏.‏ ولأن قتل النفس البشرية أصبح سهلا‏,‏ وأصبح مجرد قتل لروح التبلد لدي المواطنين‏,‏ فإن الجهاز السري واصل عملية قتل روح التبلد‏,‏ وتمرست فيه فكرة تقول‏:‏ إن أعداء الدعوة هم أعداء الإسلام‏,‏ ومن ثم فهم كفار‏.‏ وتمتد روح الاستهتار بإزهاق الأرواح لتسمح لرئيس الجهاز السري‏(‏ عبدالرحمن السندي‏)‏ بأن يفجر مساعده الأول‏(‏ سيد فايز‏)‏ فيرسل له علبة حلوي بمناسبة المولد النبوي الشريف لتنفجر فيه فتمزقه وتمزق شقيقته‏.‏

ونقرأ في كتاب المؤرخ الإخواني المعتمد من الجماعة عبدالحليم محمود وقد ثبت ثبوتا قاطعا أن هذه الجريمة الأثيمة الغادرة كانت بتدبير السندي‏,‏ وقد قامت جماعة من كبار المسئولين في الجهاز السري بتقصي الأمور في شأن هذه الجريمة وأخذوا في تضييق الخناق حوله حتي صدر منه اعتراف ضمني‏(‏ الإخوان المسلمون ـ أحداث صنعت التاريخ ـ رؤية من الداخل الجزء الثالث ـ ص‏205).‏

ولأن الإخوان وقادتهم يشربون من بئر واحدة‏..‏ ويتعاملون مع موضوع الجهاز السري بذات الأسلوب‏,‏ فإن المرشد المستشار حسن الهضيبي قد فعلها هو أيضا‏,‏ فبعد أن تولي موقع المرشد قيل له إنه لا يجوز أن يعمل في الجهاز السري أشخاص سبق القبض عليهم حفاظا علي نشاط الجهاز واقتنع المرشد بهذا الرأي‏,‏ وبدأ يحكم خطوة بالإعلان عن عدم وجود هذا النظام أصلا داخل الجماعة‏,‏ وفي الوقت نفسه أبقي عليه وعين الأخ يوسف طلعت مسئولا عنه‏.‏

هكذا يعترف أحد قادة الإخوان الكبار وهو الأستاذ صلاح شادي في كتابه حصاد العمر‏(‏ ص‏132),‏ فهل لنا أن نطمئن إلي تأكيدات المرشد الحالي بأن الجهاز السري مجرد خرافة؟‏..‏ أم نترك لمخاوفنا العنان عندما يتحدث المرشد عن عشرة آلاف مقاتل؟

والأمر جد خطير‏..‏
فهل قال المرشد الحالي الحقيقة عندما أكد أن الجهاز السري خرافة؟‏..‏ أم كان يقول بما هو غير صادق؟‏..‏ وهل أفلتت منه قصة العشرة آلاف مقاتل أم هي رسالة تحذير يوجهها في وجوهنا جميعا حكاما ومحكومين؟

وإلي متي‏..‏ إلي متي تظل الجماعة تراوغ وتقول ما هو غير حقيقي في هذا الموضوع‏..‏ وفي غيره؟

ومتي‏..‏ وكيف يمكننا أن نطمئن إليها؟