Print

المادة الثانية تكسر برودة شتاء القاهرة : الفقي يكشف أسماء الأقباط الموافقين على بقاء المادة الثانية بنصها الحالي

29/01/2007

تغطية- هاني دانيال Copts -United
ارتفعت حدة المناقشات بين المشاركين في ندوة مركز القاهرة لحقوق الإنسان والتي حملت عنوان "هل يمكن تعزيز الحق في المواطنة في ظل المادة الثانية من الدستور"، وانقسم المشاركون إلى اتجاهان، الأول يرى ضرورة الإبقاء على نص المادة الثانية من الدستور بنصها الحالي، وإنها لا تؤثر على علاقة المواطنين غير المسلمين بالدولة، ويمثل هذا التيار الدكتور مصطفى الفقي رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب ، والدكتور أحمد أبو بركة عضو مجلس الشعب عن جماعة الإخوان المسلمين،

بينما يرى الاتجاه الثاني أن المادة الثانية بنصها الحالي تسبب العديد من المشكلات للمواطنين غير المسلمين، وإنها تقف عقبة أمام توليهم العديد من المناصب السياسية والحساسة، وتضع قيود على بناء الكنائس وغيرها من الأمور، ومثل هذا الاتجاه القس رفعت فكري بالكنيسة الإنجيلية وعدد من شباب الأقباط المشاركون في الندوة.

دعا القس رفعت فكري إلى اتخاذ خطوة صريحة وتحديد هوية الدولة، والاعتراف أما بأن مصر دولة دينية، والإبقاء على نص المادة الثانية ، أو النص على مدنية الدولة وتعديل المادة الثانية بدلا من نصها الحالي، بحيث يكون نصها "الإسلام دين غالبية المواطنين، والشريعة الإسلامية مصدر من مصادر التشريع بما لا يخل بحقوق باقي المواطنين، وترعى الدولة القيم العليا للحضارات والثقافات الدينية والتأكيد على مدنية الدولة"، مشيرا إلى أن دستور 1923 نص في مادته 149 منه على أن الإسلام دين الدولة واللغة الرسمية هي اللغة العربية، ودستور 1971 خطا خطوة مهمة وبشكل مختلف، بحيث تم النص على أن الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع، إلا أنه في عام 1980 عدلت المادة بشكل مختلف بحيث أضيفت "ال"، بحيث أصبحت مبادئ الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع، وتم تمرير هذه المادة لصالح تمرير المادة 77 من الدستور، وإطلاق مدد الرئاسة، أي إنها عدلت كمحلل لمادة أخرى!!!

والمشكلة هنا أن المادة الثانية من الدستور تسبب مشكلة كبيرة، وتؤثر على مبدأ المواطنة، وإذا كان المبدأ يتفق مع التعددية، إلا أن نص المادة الثانية من الدستور لا يتفق مع مبدأ المواطنة، لأنه يقسم المواطنين إلى فريقان ويميز بينهم بسبب الدين، والتأكيد على أن الإسلام الدين الرسمي للدولة يشكل انتهاكاً لمن لا يدينون بالدين الإسلامي، والحرية الدينية جزء لا ينفصل عن حرية الرأي والتعبير، ولذلك تتناقض المادة الثانية مع ادعاء من يقول بأن مصر دولة مؤسسات، فالمادة تؤكد على أن الدولة تحمي فقط من يدينون بالدين الرسمي للدولة، وهذا يظهر من خلال أزمة تصريحات الحجاب، واستغلال نص المادة الثانية في إدانة الوزير، كذلك إذا اعتقد البعض بأن تعديل المادة الخامسة من الدستور لحظر تأسيس أحزاب دينية، لن يمنع هذا التعديل جماعة الإخوان -على سبيل المثال- من تأسيس حزب ديني باستغلال نص المادة الثانية!!!

أشار إلى أن مصر وقعت العديد من الاتفاقيات والعهود والمواثيق الخاصة بحقوق الإنسان بموجب المادة 151 من الدستور مثل العهد المدني للحقوق السياسية والمدنية، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الإعلان الخاص بحقوق الأقليات الدينية، ورغم أن هذه الاتفاقيات تعامل مثل القوانين المحلية، إلا إنها للأسف لا يعتاد العمل بها، لسبب غير معروف، وبرزت العديد من المشكلات التي كانت تحتم على الدولة التأكيد على احترامها لهذه العهود والمواثيق التي تؤكد مساواة المصريين تحت القانون، بدون التمييز بسبب الجنس أو الدين، وللأسف لم تظهر الدولة الاحترام الكافة لإبرامها هذه الاتفاقيات المشار إليها!!!

أثارت كلمات القس رفعت فكري كثير من الحضور، مما دعا الدكتور مصطفى الفقي إلى تجديد التأكيد على تصريحاته السابقة بشأن موافقة الأقباط على عدم المساس بنص المادة الثانية من الدستور، وكشف النقاب عن بعض الشخصيات التي طالبت بهذا الموضوع منها أنسي ساويرس رجل الأعمال المعروف، منير غبور، منير فخري عبد النور، الدكتور جورجيت قليني، وبعض الشخصيات القضائية القبطية، بالإضافة إلى الدكتور بطرس غالي الرئيس الشرفي للمجموعة، وهذه المجموعة عقدت اجتماعات متعددة في منتدى دستوري لتقديم رؤية قبطية للتعديلات الدستورية المقترحة، وأكد على أن هذه المجموعة طالبت بإرسال هذه الرسالة إلى صناع القرار، مع التأكيد على إنهم طالبوا بنص الدستور على مبدأ المواطنة، وأنه يكفي على تعزيز حقوق المصريين دون تفرقة، كذلك تذليل العقبات التي تواجه الأقباط عند شغل بعض المناصب القيادية، لترسيخ مبدأ المواطنة بحيث لا يصبح نصا يختلف مع ما يحدث على أرض الواقع العملي.

أضاف الفقي بقوله "هذه الشخصيات القبطية مسيسة، ولديها باع طويل في العمل السياسي والعام، وعندهم حث سياسي واجتماعي بما يدور في المجتمع، وكانت هناك أراء تتمسك بوجود المادة الثانية لأنها تعبر عن تراث حضاري، في الوقت الذي طالب فيه بعض الشخصيات بوجوب تعديل المادة الثانية، إلا أن الغالبية اتفقت على عدم المساس بهذه المادة، وهذا نفس ما تعرض له اقتراح البعض من تمثيل نسبي للأقباط في لانتخابات، إلا أن الأغلبية رفضت التمثيل القبطي النسبي على اعتبار أن الأقباط رفضوا ذلك أثناء وضع دستور 1923، وليس من المعقول أن يرفض الأقباط هذا المقترح في الماضي، ويقبله الأقباط في الحاضر، ولذلك اتفق الحضور على عدم التمثيل النسبي، ودعم مشاركة الأقباط باعتبارهم مصريين لديهم كل الحقوق، وعليهم كل الواجبات، والدعوة إلى إزاحة أي تمييز يحول دون توليهم لأي منصب بدءا من منصب رئيس الجمهورية وحتى أدنى منصب في الدولة.

وأكد الفقي أن تصريحات الأنبا مرقس المتحدث الرسمي باسم الكنيسة القبطية والذي طالب فيها بتعديل المادة الثانية من الدستور جانبه فيها الصواب، وأوضح أن الأنبا مرقس رجل دين، وليس ملماً بالعمل السياسي، وأن الشخصيات القبطية المسيسة لديها الخبرة والحنكة في أن تبدي برأيها في مثل هذه الأمور، وأنا متمسك بما أقوله، خاصة وإنني قلت من قبل في جلسات مجلس الشعب مؤخرا بأن الأقباط يرفضون المساس بالمادة الثانية، ولم أعدل عن هذا، ولدي الشجاعة لمواجهة أي شخص يثبت عدم صحة ما أقوله!!!

إلا إنه اعترف بأن تحقيق مبدأ المواطنة هو الأهم، وأن يكون هو الشغل الشاغل للمهتمين بالعمل العام، ولا يمكن قبول أي تصريحات على شاكلة أن المسلم الماليزي أو الاندونيسي أقرب للمسلم المصري، فهنا لابد من وقفة حازمة لمنع هذا التهور، وتعريض أمن مصر للخطر الطائفي، وعلى كل المهتمين بالعمل العام النضال من أجل حصول كل المصريين على حقوقهم دون تفرقة بسبب الجنس أو الدين.

واختلف البعض مع ما قاله الفقي، حيث أكد القس رفعت فكرى بأن الأقباط لا يوجد من يتحدث معهم، وإذا كانت المجموعة التي تحدث عنها الفقي تريد الإبقاء على نص المادة الثانية من الدستور، فهذه أراء شخصية لا تعبر عن جموع الأقباط، خاصة وأنه يصعب تحديد من يتحدث باسم الأقباط لأنهم ليسوا جماعة سياسية مستقلة، فهم فئات اجتماعية مختلفة، ولها ميول سياسية مختلفة، فهناك من الأقباط المنتمي للحزب الوطني، وهناك من ينتمي للوفد، وهناك من ينتمي للتجمع، وهناك من لا ينتمي لأي حزب أو فصيل سياسي، ولذلك يصعب تحديد رأي موحد، وإنني كشخص قبطي لا أريد المادة الثانية بنفس نصها الحالي، وأطالب بتعديلها، فهل يتم الحجر على ما أقوله؟!!!

أشار القس رفعت إلى أن التاريخ مليء بأحداث ايجابية في علاقة الأقباط والمسلمين، وفي الوقت نفسه هناك أحداث سلبية لا بد من الاعتراف بها، وعدم إخفاء الرؤوس في الرمال، ولا بد من المكاشفة والمصارحة، والمشكلة هنا أن هناك من يعتمد على مواقف ايجابية في علاقة الأقباط بالمسلمين، ويتجاهل مئات المشكلات والسلبيات في علاقة الأقباط والمسلمين، ولذلك لا بد من الاعتراف بان مصر دولة دينية أو مدنية، خاصة وأنه إذا لم يتم الحفاظ على مدنية الدولة ستدفع مصر الثمن غاليا، حتى نعرف طبية النظام الحقيقي في مصر دون تأويل أو تضليل!!! مستشهدا بمثالين على استغلال المادة الثانية، الأول يتعلق بشخص مسيحي أسلم ثم عاد للمسيحية، وحينما حاول الحصول على بطاقة رسمية رفضت مصلحة الأحوال المدنية، وقام برفع دعوى قضائية، إلا أنه فشل بسبب اعتماد القضاء على المادة الثانية من الدستور وتم منعه من الحصول على بطاقة تثبت هويته الدينية المسيحية، كذلك طفل مسيحي أسلم والده، وتحول الطفل بالتبعية إلى الإسلام، وحينما رفع قضية للحصول على أوراق تثبت هويته الدينية المسيحية التي تختلف مع والده، حكم القضاء برفض الدعوى بالاعتماد على نص المادة الثانية، بل أن الحكم أعتبر أن الإسلام "خّير" الأديان!!!

بينما أكد ممدوح الشيخ "باحث إسلامي "أنه في ظل المناخ العام السائد وحالة الاضطراب الموجودة، أصبح الحديث عن تعديل المادة الثانية من الدستور فرع من أصل، إلا أنه في الوقت نفسه تعد النماذج التي قدمها القس رفعت خير مثال على إننا في حاجة إلى مراجعة هذه الأحكام، خاصة وأن القضاء المصري يعتبره المصريين حكما منصفا، وحينما تصبح الأحكام القضائية بهذا الشكل وتنتهك حقوق أحد المصريين بسبب انتمائه الديني فهذا بلا شك في حاجة إلى دراسة وتحليل، لتصحيح المسار.

من جانبه أكد الدكتور ثروت بدوى أستاذ القانون الدستوري بأن نص المادة الثانية كما هو حاليا لن يتغير إذا تم حذف "ال" ،خاصة وأن نص المادة أشار إلى أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي، وهذا يعني أن هناك مصادر أخرى للتشريع، وإلا كان هناك نص على أن مبادئ الشريعة هي المصدر الرسمي أو الوحيد، بحيث يتم إقصاء أي مصدر أخر للتشريع، مشيرا إلى أن الشريعة الإسلامية غنية بالمبادئ، وهناك عشرات الجامعات بالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا تدرس مبادئ الشريعة الإسلامية، والمبادئ غير الأحكام، ونص المادة كما هو موجود لا يضر غير المسلمين بأي شيء.

وهو نفس ما عبر عنه الدكتور أحمد أبو بركة عضو مجلس الشعب عن جماعة الإخوان المسلمين، والذي أشار إلى أن الإسلام لم يفرق بين المسلم وغير المسلم، وأنه كدين قدم نموذج للعلاقة بين الإنسان وربه، وبين الإنسان ومجتمعه، وإذا كانت اليهودية والمسيحية نظمت العلاقة بين الإنسان وربه، إلا إنهما لم يتعرضان للعلاقة بين الإنسان ومجتمعه، ولذلك لا بد من التأكيد على أن مبادئ الشريعة تصون حقوق غير المسلمين، وليس هناك حاجة لتعديل المادة الثانية، وأن مبدأ المواطنة كفيل بالتأكيد على مساواة كل المصريين دون تفرقة بسبب الجنس أو الدين.

على الجانب الأخر أكد بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة أن تصاعد أعمال الإرهاب والعنف الدموي المرتكز على مرجعية دينية، وتصاعد الاهتمام بتعديل المادة الثانية من الدستور بعد أن تجاهلتها التعديلات المعروضة على البرلمان، كان من الضروري أن يهتم المركز بمناقشة هذا الموضوع الهام والشائك في ظل بدء حلقات منتظمة يعقدها المركز لمناقشة التعديلات الدستورية، هذا بالإضافة إلى أن هناك تصريحات متناقضة خرجت في هذا المجال، وكان من الضروري التعرف على حقيقة الأمور، فمن ناحية صرح الدكتور مصطفى الفقي بأن الأقباط لا يريدون تعديل المادة الثانية من الدستور، وعلى الجانب الآخر صرح المتحدث الرسمي باسم الكنيسة الأرثوذكسية بأن الأقباط يريدون تعديل المادة الثانية، وبالتالي كان لا بد من أراء واضحة، ومثل هذه المناقشات تثري المجتمع، مهما كانت حساسية الموضوع فلا بد أن يكون هناك شجاعة وجرأة في طرح الموضوع، ودراسة التحليلات التي يقدمها المشاركون في مثل هذه الندوات، وعبر عن أمله في أن يشترك المجتمع بكل أطيافه في المناقشات التي تتعرض للتعديلات الدستورية للوصول إلى رأي مجتمعي حيوي