ورقة بحثية مهمة تجيب بالدلائل والأحكام على :لماذا الدعوة لتعديل المادة الثانية من الدستور؟!!

31/01/2007

عرض-هانى دانيال

Copts-United
فى ظل تجاهل تعديل المادة الثانية من الدستور فى حزمة التعديلات المعروضة على مجلس الشعب حاليا،تزايدت المطالب من قبل بعض الحقوقيين،والباحثين،وأصحاب الأقلام العفيفة من الأقباط والمسلمين ولكنها بصوت خافت على أكثر
 

لأحيان،وسنحاول خلال الأيام المقبلة عرض رؤى بعض من طالبوا صراحة وبصوت مسموع تعديل نص المادة الثانية،ولماذا يطلبون تعديلها،وما هى الأسباب التى تعجل المطالبة بتعديل هذه المادة خلال هذه الفترة،خاصة وأن هناك تصريحات نُسبت الى المرشد العام للاخوان لامسلمين فى احدى الصحف المستقلة والتى أشار فيها الى أن المساس بالمادة الثانية معناه أن الدم سيصل الى الركب!!،ومع دعوة الرئيس مبارك للنص على مبدأ المواطنة فى الدستور من خلال تعديل المادة الاولى،وتعديل المادة الخامسة أيضا لحظر تأسيس أحزاب دينية،الا أن نص المادة الثانية من الدستور بشكلها الحالى يعطى الحق للاخوان أو غيرهم فى تأسيس حزب دينى دون التقيد بالمادة الخامسة!!!

ونبدأ اليوم باستعراض ورقة بحثية مهمة أعدها القس رفعت فكرى سعيد بالكنيسة الانجيلية أرض شريف بشبرا مصر،والتى ارتكز فيها على الأسباب الموضوعية التى تؤكد تنافي المادة الثانية مع مبدأ المواطنة،فالدولة ليست شخصاً طبيعياً، بل هي شخص اعتباري، والشخص الاعتباري كائن معنوي لادين له فهي لا تصلي ولا تصوم ولاتدفع الزكاة لذلك فالقول بأن دين الدولة الرسمي هو قول غريب وغير مفهوم، فالدولة مهمتها الوحيدة تنفيذ عقد اجتماعي وسياسي مع مواطنيها هنا على الأرض، وليس محاولة إدخالهم إلى جنة النعيم في العالم الآخر فليس من مهام الدولة إدخال الناس للجنة بينما الدين والشريعة ،كما يقول المستشار محمد سعيد العشماوي معنيان بالإنسان لا بالنظم بالضمير أكثر من القواعد القانونية كما أنه بالنص على وجود دين للدولة "يصبح هناك دينا مميزا للدولة وبالتالي ينقسم المواطنون إلى فريقين أولهما يتبع ذلك الدين وبالتالي فهو صاحب الحقوق والامتيازات والثاني من أتباع الديانات الأخرى ينتظر المنح والهبات، مما يكرس مفهوم "الذمية" دستوريا ويجعل الدولة مدافعا وحاميا للدين لا للوطن" والنتيجة هي "مجموعة من القوانين والقرارات والأعراف المذلة والمنقوصة لحقوق من لايدينون بدين الدولة .".فالنص بوضعه الحالي يثير اللبس ويرتب نتائج قانونية غير متفق عليها .

أشار الى أن القارئ للمادة الثانية حتماً سيفهم أن في البلد أدياناً أخرى غير الإسلام، يدين بها مواطنون غير مسلمين، لا بد أن يستنتج أن الدولة لا تعترف بأديان أخرى لأبنائها، لأنها لا تعتبرها رسمية، فالدولة هنا تنفي بعضاً من مواطنيها، ليس بسبب تقصيرهم في واجبات المواطنة، وإنما بسبب عقيدتهم!! إذاً الدستور يفرق ويميز رسمياً بين أبناء الوطن الواحد، ويصنفهم درجات في المواطنة حسب الدين، وليس حسب ولائهم للوطن أو جذورهم الوطنية. إن إعلان الدولة بأن الدين الرسمى هو الإسلام يشكل انتهاكا وتمييزا وتحقيرا للديانات الأخرى وبصفة خاصة للمسيحيين مما يؤدى إلى إعاقة تمتعهم وهم أبناء وشعب مصر بأي حق من الحقوق المنصوص عليها في الوثيقة الدولية بالحقوق المدنية والسياسية بما في ذلك المادة 18 الخاصة بحرية الديانة والمادة 27 الخاصة بحقوق الأقليات الدينية. والحرية الدينية جزء لا ينفصل عن حرية الرأي والتعبير وطبعا يرتبط بهما حرية أداء الشعائر الدينية، وهي حرية مكبلة بالقيود على الرغم من ادعاءات المساواة فلا تبني كنيسة جديدة إلا بقرار من رئيس الجمهورية. ولا تجري فيها إصلاحات إلا بقرار من المحافظ الذي تقع الكنيسة في محافظته. والأخطر من هذا كله أن الحرمان من المواطنة الكاملة يبيح ولو بشكل مستتر تعرض أصحاب الأديان الأخرى للعدوان على أرواحهم وممتلكاتهم. وهذا ما حدث ولا زال يحدث.

أما عن مبدأ لهم مالنا وعليهم ماعلينا الذي يراد به الإيحاء بنوع من المساواة بين المسلمين وغير المسلمين فهو يحتاج إلى تفسير واضح في ضوء إنه لاتقبل شهادة غير المسلم ضد المسلم ، ولا يقتل مسلم بكافر ، لايرث غير المسلم في المسلم ،وبينما يصرح بزواج المسلم من الكتابية فالعكس أي زواج الكتابي من المسلمة محرم برغم عدم وجود نص قرآني صريح بذلك وذلك لأن الفقهاء استندوا ببساطة إلى مبدأين في آن واحد وهما لا مساواة بين المسلم وغير المسلم الذي يستند بدوره إلى مبدأ الاسلام يعلو ولا يعلى عليه ومبدأ الرجال قوامون على النساء ومن هنا فالارتكان إلى مبدأ لهم مالنا وعليهم ما علينا لايؤكد من قريب أو بعيد على المساواة التي ينبغي أن يكون النص الدستوري حولها قاطعا وحاسما وبدون التواء ، فنص المادة الثانية بصورته الحالية في حد ذاته هو تمييز للمسلمين عن أتباع الديانات الأخرى أو اللادينيين. وسيكون حجة لتيارات سياسية لتفرض رؤيتها ومصالحها وتقيم دولة دينية يكون رأيها في كل أمور الوطن هو رأى السماء الذي لا يقبل النقاش والقبول والرفض.

واعتبر القس رفعت فكرى أن المادة الثانية تتناقض مع إدعاء أن "مصر دولة مؤسسات ديمقراطيةّ"، فأسس المبدأ الديموقراطي هو المساواة الكاملة بين المواطنين، فما بالنا بحق المواطنة الذي ينفيه الدستور المصري عن بعض المواطنين لأنهم خارجون عن الدين الرسمي للدولة؟!! فهذه المادة تعلن بوضوح أن الدولة تمارس حمايتها ورعايتها لدين قسم من رعاياها وتخلع مظلة الحماية عن الآخر.وماحدث مؤخرا يؤكد هذا فقد استندت المحكمة الإدارية العليا إلى المادة الثانية في حكمها بإلغاء حكم القضاء الإداري وعدم أحقية البهائيين في إثبات ديانتهم بالأوراق الرسمية، حيث قالت المحكمة في حيثيات الحكم: إن الاعتراف بالبهائية كديانة مثبتة بالأوراق الرسمية يخالف ما استقرت عليه الآراء الفقهية والفتاوى الصادرة من جهات الاختصاص، كما يعد خروجاً علي أحكام الدستور، مما قد يؤثر علي المجتمع وأفراده من جراء عمليات التبشير التي تستهدف النيل من الدين الإسلامي، وأضافت الحيثيات «أنه طبقاً لما نص عليه الدستور وانتهت إليه مواده، فإن الأديان المسموح بإقامة شعائرها في مصر هي الأديان السماوية الثلاثة «الإسلام والمسيحية واليهودية». أن الدستور هو أبو القوانين وأن الدولة المدنية تعني ببساطة فصل السلطتين الدينية والسياسية مع ضمان احترام المعتقدات الدينية والهويات الثقافية والروحية للشعوب والمجتمعات،انها تعني أن الدولة هي دولة قانون واحد يطبق على جميع المواطنين سواسية حقوقاً وواجبات بغض النظر عن الدين. انها "دولة المواطنة" لا دولة مواطنين من درجات (سني –شيعي – بهائي – قادياني -شيوعي – ذمي – كافر).

وبلهجة واضحة أشار إلى أن أوجود المادة الثانية في الدستور بهذا الشكل ينسف الأساس الذي تقوم عليه أي نصوص أخرى مذكورة في نفس الدستور أو في القوانين حول المساواة في حقوق المواطنة أو حول الحريات الأساسية وضماناتها إذ لا يمكن أن تفسر هذه المواد إلا في ضوء تلك المادة،وبقاء هذه المادة على ما هي عليه منذ عام 1980، سيكون متناقضا مع حقوق المواطنة والمادة 40 التي تنص على أن المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أوالدين أو العقيدة"، ومثل هذا التناقض هو شأن معيب يهز القيمة العليا لدستور البلاد وينتقص منه. "ان النص الرسمي على دين الدولة ليس موجوداً في أي دولة مدنية متقدمة في العالم أجمع" قد يكون هناك نصاً أن الدولة تحترم جميع الأديان ولكن دون النص على دين رسمي لها. لأن من واجبات الدولة أن تحمي حقوق المواطنين –كافة المواطنين- بصرف النظر عن دين هؤلاء المواطنين أو جنسهم أو لونهم أو معتقداتهم. وان أقرت لها دين رسمي فمعنى هذا أنها تنحاز الى فئة دون أن تدري مهما حاولت بعذ ذلك أن تضع بنودا في الدستور تؤكد على مساواة المواطنين مثل المادتين 40 و 46 من الدستور المصري لأن المادة الثانية من الدستور قد نسخت "ألغت" تماما تلك المادتان اللتان تنصان على مساواة المواطنين أمام القانون وحرية المعتقد. لا يصح أن تقول أي دولة أنها "مدنية" وفي نفس الوقت دولة لها دين رسمي.

ولم يغفل الاشارة الى التعديلات الدستورية المعروضة على البرلمان بقوله" إن كانت المقترحات المعروضة على مجلس الشعب تؤكد حظر تأسيس أحزاب سياسية على أساس ديني، إلا أن المشكلة تتركز في أن المادة الثانية من الدستور ربما تتسبب في وجود حزب سياسي ديني، وهذا ليس بغريب في ظل قانون الأحزاب السياسية والذي يشترط قيام الأحزاب على مرجعية إسلامية والإيمان بما نص عليه الدستور فهذه المادة تمهد لقيام الدولة الدينية وتنامي نفوذ الأخوان المسلمين الذين يعدون أنفسهم للوصول إلى السلطة والحكم، وقيام الدولة الدينية أهم هدف من أهدافهم. ولنفترض أن "الإخوان المسلمين" قد قرروا التقدم بطلب لقيام حزب لهم. ولن يذكروا في برنامج حزبهم أكثر من أن يكون هدفه الرئيسي "تفعيل المادة الثانية من الدستور وإقامة حكم يستند تماما إلى شرع الله"، ماذا سيكون رأي لجنة الأحزاب والمحاكم الإدارية والدستورية التي ستفصل في مثل هذا الطلب بناء على الفقرة المقترحة؟ كيف يستقيم حظر إنشاء أحزاب سياسية علي أساس ديني مع المادة الثانية التي تحدد موقع الدين من الدولة من خلال النص علي أن الإسلام دين الدولة، ومبادئ الشريعة الإٍسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع؟ فإذا تصورنا أن الإخوان أو أي جماعة إسلامية أخري سعت إلي إنشاء حزب سياسي يقوم علي تفعيل هذا النص الدستوري، فهل يعد ذلك غير دستوري؟ النظرة القانونية الظاهرية تقول أن هذا الحزب سيكون أكثر الأحزاب اتساقا وتماشيا مع الدستور،فالمادة الثانية موجودة بصورتها الحالية ثم نرفض أحزاب تؤسس على أساس ديني، كيف؟!!!). الخلاصة هي إن الفقرة المقترحة، في السياق الدستوري الحالي، ستؤدي عمليا إلى استحالة قيام "حزب مسيحي" ولكنها لن تمنع قيام "حزب إخواني"!!!

وقدم سؤالاً واضحاً حول نوع الاسلام المراد تطبيقه فى حال ترسيخ مفهوم الدولة الدينية بقوله" إن هذه المادة وهي تنص على أن (الإسلام هو الدين الرسمي للدولة) لم تحدد لنا أي إسلام تقصد، فهل هو الإسلام كما مارسته طالبان، أم هو الإسلام الوهابي المتشدد ؟ أم هو إسلام الإرهابيين الذين يجهلون المجتمع ويكفرون غيرهم من المسلمين؟. إن كل من هؤلاء ادعى أنه وحده الفرقة الناجية من النار وأنه وحده يمتلك الحقيقة الإسلامية الكاملة!! وليس هناك إسلام واحد معلوم للجميع. ووبالطبع المادة الثانية تستبعد عن الإسلام المذاهب غير السنية مثل الشيعة الاثنا عشرية، والقاديانية، رغم اعتقاد هؤلاء أنهم على إسلام سليم، فهم يؤمنون بالقرآن والسنة ويجاهرون بالشهادتين وهما المدخل المعترف به للإسلام.

فنص المادة الثانية يتحدث عن الشريعة بينما هو في الحقيقة يتعلق بالفقه يقول المستشار العشماوي إن لفظ الشريعة لايعني في القرآن الكريم ولا في قواميس اللغة العربية القواعد القانونية وإنما معناه المنهج , السبيل , الطريق , ماشابه ويضيف إنه قد حدث للفظ الشريعة في الفكر الإسلامي تعديل عدة مرات من المعنى الأصلي ثم اتسع ليشمل القواعد القانونية التشريعية الواردة في القرآن ثم امتد ليضم أيضا القواعد المماثلة في الأحاديث النبوية ثم تغير المعنى ليشمل الشروح والتفسيرات والاجتهادات والآراء والفتاوى والأحكام التي صدرت لأيضاح هذه القواعد أوالقياس عليها أو الاستنتاج منها أو تطبيقها ,أي الفقه وأوضح أن كاتبي تقرير اللجنة الخاصة حول التعديل الدستوري في مايو 80 خلطوا الأمور وأصبحوا يتحدثون عن الفقه باعتباره الشريعة !!!

كما أن مصر وقعت على المواثيق والقوانين الدولية لحقوق الإنسان ومن ثم فهذه المواثيق صار لها قوة القانون المصري وفقا للمادة (151) من الدستور،والمادة الثانية من الدستور تتعارض مع بعض المواد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وعلى سبيل المثال المادة 6، والتي تنص على لكل إنسان أينما وجد الحق في أن يعترف بشخصيته القانونية، والمادة 7 والتي تنص على كل الناس سواسية أمام القانون ولهم الحق في التمتع بحماية متكافئة عنه دون أية تفرقة، كما أن لهم جميعاً الحق في حماية متساوية ضد أي تمييز يخل بهذا الإعلان وضد أي تحريض على تمييز كهذا، وأيضاً المادة 18 التي تنص على لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سراً أم مع الجماعة،كذلك المادة 19، والتي تنص على لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية. وكذلك تتعارض المادة الثانية مع الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية وكذلك المادة الثانية من القرار رقم 47/135 بشأن اعلان حقوق الاشخاص المنتمين الى أقليات دينية الصادرة في ديسمبر 1992 من الجمعية العامة للأمم المتحدة وجدير بالذكر ان لجنة حقوق الإنسان للأمم المتحدة في ردها على تقرير مصر عام 2002 بعنوان "دواعي القلق الرئيسة سجلت اللجنة ملاحظة بشأن إعلان مصر بالتحفظ استنادا إلى الشريعة الإسلامية عند التصديق على العهد الدولى بـ"الطابع العام والملتبس وأيضا التحفظ المتعلق بالشريعة الإسلامية على بعض مواد الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وبينما مصر ترى أن الشريعة الإسلامية والمادة الثانية من الدستور تتوافق مع أحكام ونصوص المواثيق الدولية، إلا أن لجنة حقوق الإنسان تأسف "لانعدام الوضوح الذي يغلف مسألة القيمة القانونية المعطاة للعهد مقارنة بالقانون الداخلي والآثار المترتبة على ذلك".
مما دعا لجنة حقوق الإنسان إلى مطالبة مصر بأن "تحدد مدى إعلانها بشأن الشريعة الإسلامية أو تسحبه!!!

كذلك تتناقض هذه المادة مع الديموقراطية، فالديموقراطية - في أبسط معانيها - هي حكم الشعب بالشعب، فالبشر هم الذين يشرعون لأنفسهم حسب ظروف الزمان والمكان، ولا يتلقون شرائع سماوية جاهزة لتطبيقها على واقع زمن يختلف عن زمن نزول أو سن الشرائع الدينية ولتطبيقها على ظروف مختلفة طبقاً لمصالحها وهكذا تسعى الديمقراطية إلى فصل الدين - أي دين، عن نظام المجتمع السياسي، حتى يبقى هذا النظام ميداناً بشرياً بحتاً، تتصارع فيه البرامج السياسية والاقتصادية دون أن يكون لطائفة منهم الحق في الزعم بأنها تمثل وجهة نظر الله، وبذلك تترفع بالدين وتتنزه عن تشغيله انتهازياً لخداع البسطاء من الناس وتحرر نصوص الدين من الأفاقين والمتاجرين به لأجل مصالحهم الخاصة. فوجود مرجعية دينية في الدستور يحجر على دعاة الدولة المدنية الحداثية حرية التعبير ويترك الساحة مفتوحة ومقصورة على دعاة الدولة الدينية بينما العكس ممكن ففي الدولة المدنية يمكن لدعاة أية أيديولوجية أن يعملوا بكامل حريتهم ويكفي هنا أن نذكر بأن قانون تنظيم الأحزاب السياسية ينص في مادته الرابعة على أنه يشترط لتأسيس أو استمرار أي حزب سياسي عدم تعارض مقومات الحزب ومبادئه أوأهدافه أو أساليبه في ممارسة نشاطه مع مبادئ الشريعة الإسلامية باعتبارها المصدر الرئيسي للتشريع .

ولفت النظر الى ما قاله مرشد الإخوان السابق عندما سئل عن ولاية غير المسلم على مسلم ،فقال إن هذا الأمر سيبحثه في الوقت المناسب أهل الحل والعقد ، من هم ؟ ما هي سلطاتهم ؟ من يعينهم ؟ من يحاسبهم ؟ ماذا لو اتفقوا على فرض أمور تتناقض مع معايير حقوق الإنسان العالمية الحديثة ؟ هذا فضلا عن أن كل تحقيقات نيابة أمن الدولة العليا المتعلقة بأى مقال أو كتاب أو رأى يتم فيها استخدام هذه المادة مثلا، بالاضافة إلى التلويح بها في كل الأزمات المتلاحقة من قبيل تصريحات فاروق حسني ومنع الخمور وغيرها. فمباديء الشريعة يمكن أن توظف بمعرفة من شاء فيما يشاء وقت أن يشاء !!

ووجود هذه المادة في الدستور يفتح الباب أمام المزايدات فأثناء الانتخابات البرلمانية السابقة قال مرشد الإخوان بأن هدفهم هو تفعيل الدستور الذي ينص على الشريعة لا أكثر ولا أقل ، ويرىالدكتور محمد حبيب نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين أن المادة الثانية من الدستور المصري “خط أحمر لا يجوز الاقتراب منه، كما يفجر الاقتراب منه حربا أهلية في مصر”، وهذا التهديد العلني بالمذابح وحمامات الدم يبين بوضوح إلى أي مدى يمكن أن يصل دعاة الدولة الدينية من عنف !!!

وركز القس رفعت فكرى فى ورقته البحثية إلى أن المادة الثانية من الدستور تسببت في صدور بعض الأحكام التي تتنافى مع المواطنة، فعلى سبيل المثال قضت محكمة القضاء الإداري المصري في القضية رقم 35721 لسنة 59 قضائية بإلغاء قرار لوزير الداخلية بتغيير خانة الديانة في البطاقة الشخصية لمن يشهر إسلامه بعد أن يقوم بتوثيق ذلك في الشهر العقاري وقد جاء الحكم استنادا إلى المادة الثانية وخاصة أن الإسلام لا يتطلب سوى النطق بالشهادتين ،وبغض النظر عن كون القرارات المشار إليها تتحدث فقط عن إشهار الإسلام وليس تغيير الدين بصفة عامة فإنه في ضوء الحكم المذكور يكفي أن تطوع اثنان بسماعهما أحد الأفراد ينطق بالشهادتين لكي يصبح ذلك الشخص مسلما سواء رغب في ذلك أو لم يرغب وبكل ما يتبعه هذا التحول من تبعات،وأيضاً عند مناقشة تعديل مشروع قانون العلاقة بين المالك والمستأجر في الأرض عام 1992 بهدف إعطاء المالك الحق في فسخ عقد الإيجار وطرد المستأجر من الأرض حتى ولو كان المستأجر ملتزما بجميع بنود العقد ويسدد الإيجار المنصوص عليه والزيادة المقررة دوريا في مواعيدها. فقد لجأت الحكومة لتمرير تعديلها لطلب فتوى تجيز الفسخ والطرد، ووفر لها مفتى الديار المصرية هذه الفتوى. واعترض وقتها خالد محيى الدين على إقحام الدين في قضية سياسية اجتماعية، وفرض رقابة ممن يسمونهم رجال الدين على حق مجلس الشعب في التشريع، خاصة أن وهناك تفسيرات وتأويلات مختلفة للنصوص الدينية، وأحكام الشريعة قابلة للتطور والتغيير على ضوء الاجتهادات المختلفة وتطور الواقع والفكر الإنساني،كما استخدمت نفس المادة في الحكم بالتفريق بين المفكر الإسلامي نصر حامد أبو زيد وزوجته رغم أنفهما لمجرد أنه تطوع بالاجتهاد في مسائل من نوع أن للمرأة الحق الشرعي في الحصول على نصيب من الميراث مساوي للرجل!!!فالبلاد الغربية لم تحقق نهضتها وتقدمها في جميع المجالات إلا بعد أن فصلت الكنيسة عن الدولة،ولم تتعمق جذور الديموقراطية فيها إلا بعد أن تخلصت من تسلط الدين على الدولة، ولم تصل إلى ما وصلت إليه من رقي حضاري واستقرار اجتماعي وإزدهار اقتصادي إلا بعد أن فصلت الدين عن الدولة!!!

وأنهى ورقته بتساؤلات مهمة وجريئة،منها ،ما هي الاصلاحات الدستورية التي نريدها ؟ هل هي الاصلاحات التي تؤكد على مدنية الدولة وحقوق المواطنة وحرية العقيدة وسيادة القانون؟ أم إننا نريد إصلاحات دستورية تؤكد على دينية الدولة المصرية ؟ ، إن الإجابة على هذا السؤال الهام والخطير هي التي ستحدد لنا الصورة التي ستكون عليها مصر المستقبل ؟


© 2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com