تحقيقات

41333

‏السنة 124-العدد

2000

فبراير

5

‏29 من شوال 1420 هـ

السبت

 

حوار ساخن جدا مع أسقف البلينا
الأنبا ويصا‏:‏ لا اضطهاد دينيا في مصر
الفتنة أحداث مفتعلة وليس عندنا مسلمون ومسيحيون

حوار يكتبه : نبيل عمر
لم يكن ممكنا الذهاب إلي الكشح والبحث في أسباب الفتنة التي أمسكت بها أخيرا‏,‏ دون مقابلة الأنبا ويصا أسقف البلينا‏,‏ فاسمه منذ وقوع أحداث الكشح الأولي في عام‏1998‏ تجاوز جدران أبرشيته‏,‏ وحدود مصر‏,‏ وبات يتردد كثيرا في وكالات الأنباء والصحف الأجنبية وتقارير منظمات حقوق الإنسان‏!‏

وارتبط اسمه سواء عن حق أو باطل بالحملة التي تشنها قلة من المصريين المسيحيين في المهجر علي وطنهم‏,‏ بل أصبحت كلمات من عينة‏:‏ متشدد‏,‏ متعنت أو عنيد تطارده‏!‏
وعندما هبت عاصفة العنف ليلة رأس السنة الماضية في الكشح واشتدت‏,‏ عاد الاسم مرة أخري للتردد‏,‏ وتعرض لهجوم مباشر‏,‏ وحمله البعض مسئولية حرث الأرض وشحن النفوس وتهيئة المناخ الذي انتهي إلي اشتعال فتيل الأحداث من مستصغر الشرر‏!‏
وكنت في مكتب اللواء أحمد عبد العزيز بكر محافظ سوهاج حين سألني‏:‏ هل ستقابل الأنبا ويصا؟‏!‏
أجبته‏:‏ قطعا سأحاول‏.‏
قال‏:‏ ذكرت بعض الجرائد أنه يقاطع الصحافة المصرية ولا يتحدث إليها‏.‏
في تلك اللحظة دخل عمر أبو ستيت عضو مجلس الشعب عن البلينا‏,‏ فتهلل وجه اللواء بكر وقال‏:‏ جاءتك الفرصة‏..‏ عمر صديق الأنبا ويمكنه أن يدبر لك موعدا معه‏.‏
رد عمر أبو ستيت‏:‏ سألتقي مع الأنبا ويصا في الخامسة‏,‏ وسأخبره‏,‏ وأرد عليك فورا‏!‏
ذهبنا إلي الكشح‏,‏ وأمضينا فيها وقتا طويلا‏,‏ مات خلاله إرسال التليفون المحمول‏,‏ فلم أتلق مكالمة عمر أبو ستيت‏.‏
عدنا إلي سوهاج‏,‏ وأسرعت إلي التليفون أتصل بالإبراشيه وأخذنا موعدا‏.‏
الأنبا ويصا‏..‏ اسمه في شهادة الميلاد‏:‏ بطرس يوسف تكلا‏,‏ مواليد طنطا عام‏1939,‏ عاش في حي شبرا بالقاهرة‏,‏ خدم كنائسها في شبابه‏,‏ تخرج في كلية الزراعة‏,‏ حصل علي بكالوريوس العلوم اللاهوتية‏,‏ ترهبن في دير الأنبا بيشوي بوادي النطرون باسم‏:‏ الراهب القس مكاريوس الأنبا بيشوي‏,‏ حيث يسقط اسم الراهب الميلادي ويأخذ اسمه الديني الجديد وينسب إلي الدير الذي ترهبن فيه‏,‏ وبعدها خدم بإحدي كنائس المهجر في باريس‏,‏ وكان يلقب بـ كروان البرية لحلاوة صوته في التسبحة والقداسات‏,‏ وعاد من باريس في منتصف عام‏1975,‏ وجري ترسيمه أسقفا علي ابرشية البلينا وبرديس ودار السلام‏,‏ والكشح هي إحدي قري مركز دار السلام‏,‏ والترسيم هو التنصيب لدرجة كهنوتية أعلي‏,‏ وأسقف أي ابرشية يظل بها مدي حياته ولا تملك أي سلطة دينية نقله أو عزله منها علي الإطلاق‏,‏ واعتقل في أحداث سبتمبر‏1981‏ مع أكثر من‏1500‏ من الشخصيات المصرية اللامعة سياسيا واقتصاديا ودينيا‏.‏
هو أحد المقربين من البابا شنودة الثالث‏,‏ ويعد من أولاده الكبار حسب تعبير أحد الكهنة لي‏..‏
يصفه المسيحيون في نطاق ابرشيته بأنه حبوب‏,‏ حنون إلي أبعد الحدود‏,‏ صريح وواضح‏.‏
استقبلنا الأنبا ويصا مبتسما‏..‏ وقال‏:‏ يقولون إنني أقاطع الصحافة المصرية‏..‏ فكيف أتحدث إليكم؟
كان بصحبته أربعة من القساوسة‏..‏
دخلنا جميعا إلي مكتبه البسيط العصري‏..‏
وسألته‏:‏ لماذا الكشح؟‏!..‏ ثم أدرت جهاز الكاسيت‏.‏
ما كدت ألقي بالسؤال‏,‏ حتي راح الأنبا ويصا والقساوسة المحيطون به يروون قصة الأحداث‏,‏ وبها اتهامات ألصقوها بشخص بعينه‏.‏
فسألت الأنبا‏:‏ هل سمعت أم رأيت؟‏!‏
أجابني‏:‏ سمعت‏.‏
سألته‏:‏ وهل أعتبرما سمعه نيافتكم شهادة؟‏!‏
أجابني‏:‏ سمعته من مصادر موثوق بها‏.‏
قلت‏:‏ كل راوي يروي ما رآه مختلطا برغباته ومصالحه والإيحاء الذي يسعي إلي أن يبثه في نفوس مستمعيه‏..‏ هل هناك مصادر ليس لها مصلحة؟‏!..‏ ألن يحاول المصدر إبعاد الخطأ عن نفسه أو عن ناسه؟‏!‏
فانبري أحد القساوسة قائلا‏:‏ أنا شاهد عيان بعد تفجر الأحداث‏,‏ وأخذ يروي لأكثر من نصف ساعة تفاصيل ساعات مشتعلة انتقل خلالها بين القري ورجال الشرطة‏,‏ يبين أسباب عدم السيطرة علي الأحداث الملتهبة وأعمال القتل والسرقة‏!‏
قلت‏:‏ آسف‏..‏ لا أستطيع أن أنشر ما تقولون دون دليل‏,‏ فهذه مسئولية قانونية‏..‏
رد الأنبا ويصا‏:‏ أتحملها أنا‏..‏
قلت‏:‏ قانون الصحافة هو الذي يحكم‏,‏ ولا أستطيع أن أنشر اتهامات دون أدلة قاطعة أدافع بها عن جريدتي أمام المحكمة‏..‏ وعموما الأحداث تحقق فيها الجهات المسئولة‏.‏
قال الأنبا ويصا‏:‏ أنت تقدر بالطبع الألم والانفعال الذي بنا‏..‏ نحن ننفث‏.‏
قلت‏:‏ نعود إلي السؤال الأصلي‏:‏ لماذا الكشح؟‏!‏
أجاب‏:‏ أحداث مفتعلة من ناس آخرين‏,‏ وهي تكملة لأحداث عام‏1998,‏ المسألة بعيدة عن المسلمين والمسيحيين وإنما هي تحريض‏.‏
سألت‏:‏ ولماذا هذه الإبراشية تحديدا؟‏!..‏ لماذا هي بالذات التي تقع مثل هذه الأحداث في دائرتها؟‏!‏
أجاب‏:‏ لأنني لا أقبل أن أحدا من أولادي يعذب أو يظلم دون سبب‏,‏ هؤلاء أولادي‏,‏ وإذا كانت هناك أحداث وقعت في ابراشيات أخري وتداركوها بصورة أو بأخري‏,‏ فهذه ليست مشكلتي‏..‏ أنا رجل أقضي الأمانة المطلوبة مني والتي أحاسب عنها أمام ربنا‏.‏
‏*‏ تقصد كرجل دين؟‏!‏
ــ نعم كرجل دين‏.‏
سألته‏:‏ وما هي حدود رجل الدين في رأيك؟‏!‏
قال‏:‏ أب‏.‏
‏*‏ ما هي حدود الأب؟‏!‏
ــ تعرفه أنت‏.‏
‏*‏ السؤال لك‏!‏
سألني بدوره‏:‏ ألست أبا‏..‏ لو أساء أحد إلي أي من أولادك‏..‏ فكيف تتصرف؟‏!‏
قلت‏:‏ لفظ الأبوة واسع مطاط وسبق أن استخدم سياسيا في عصر الرئيس الراحل أنور السادات‏,‏ ويعني سلطة مطلقة‏,‏ فكلمة الأبوة تعطي حقوقا لمن يقولها أكثر من حقوقه في الواقع‏!‏
قال‏:‏ أنا أب في حدود ابراشيتي‏.‏
قلت‏:‏ كلمة الأب قد يكون لها مدلول سياسي‏.‏
سألني‏:‏ بأي معني؟‏!‏
أجبت‏:‏ بمعني التدخل في الشئون العامة لمن يتبع الإبراشية‏,‏ في علاقتهم بالدولة‏,‏ بالمجتمع‏,‏ بالآخرين‏,‏ وأتصور أن هذا قد يفسر بأنه يتعدي حدود الإبراشية‏.‏
ما كدت أنهي جملتي حتي قطع القساوسة المحيطون بالأنبا ويصا الحوار‏,‏ وحاولوا هم الإجابة عن تساؤلاتي‏,‏ فطلبت منهم أن يدعوا الأنبا ليجيب بنفسه‏,‏ لأنني لن أنشر إلا كلامه هو‏..‏ وقلت‏:‏ أرجوكم أعطوه الفرصة ليرد علي كل التساؤلات‏..‏ الرأي العام ينتظر أن يسمع منه‏.‏
سكت الأنبا ويصا وأشار بيده‏,‏ فهدأت الإجابات المحبطة‏..‏ ثم قال‏:‏ إذا كان يقصد بدفاعي عن أولادي في أي ناحية من النواحي أن هذا تدخل في السياسة‏..‏ فليكن‏.‏ فليكن‏.‏
ولكن حقيقة الأمر أنا لا أتدخل في السياسة‏,‏ عندي شكاوي كثيرة لأبنائي من أشغالهم أو في متاجرهم ولا أتدخل‏,‏ لكن عندما يأتي إلي ألف شخص‏,‏ كيف لا أطلع صوتي‏,‏ كيف لا أقول إن ظلما وقع علي‏,‏ إذا لم أقل ذلك فسأسأل أمام ربنا‏.‏
قلت‏:‏ ولماذا ينسب البعض إليك صفة التشدد؟
قال‏:‏ وما هي مظاهر هذا التشدد؟‏!‏
قلت‏:‏ أن يتجاوز دورك دور رجل الدين وتمارس دور الدولة نفسه‏!‏
قال‏:‏ يعني من يقول الحق يطلع من البلد‏..‏ هل أنا تجاوزت عندما أعلنت في جريمة القتل التي وقعت في صيف‏1998‏ أن ألف واحد في الكشح يتعرضون للتعذيب‏,‏ إذا لم أفعل فسأدان أمام ربنا‏..‏ هذه مسئوليتي‏..‏ وهؤلاء أولادي‏.‏
قلت‏:‏ أولادك من الناحية الروحية‏,‏ لكن من ناحية المواطنة هم مواطنون مصريون خاضعون للقانون‏,‏ وإذا حدثت تجاوزات ضدهم فسوف يلجأون إلي القانون لا إلي الكنيسة‏,‏ يقدمون بلاغا إلي النيابة العامة‏..‏
قال‏:‏ لم ألجأ إلا للقانون‏..‏ عملت كل هذا ولم أتجاوز الدولة في أي شيء‏,‏ فهل عندما أطلب الحق أبقي متشددا‏,‏ ولو كانت لي تعليمات صارمة مع أولادي‏,‏ فهي تخصني ولا تخص أي طرف آخر‏.‏
قلت‏:‏ لكن ما حدث أن هذه التجاوزات نقلت إلي الدوائر الخارجية باعتبارها اضطهادا دينيا؟‏!‏
قال‏:‏ لا علاقة لي بالخارج‏..‏ الجرائد والشائعات هي التي فعلت ذلك‏,‏ لكن ولا مرة قلت إنها ليست تجاوزات‏.‏
قلت‏:‏ كان فيه تصريحات من الإبراشية لوكالات الأنباء والصحف الأجنبية؟‏!‏
قال‏:‏ لم أتصل أبدا لا بوكالة أنباء أو غيره‏,‏ لكن أنا قاعد وتليفوني جنبي وأي واحد يسألني أجيبه بالحقيقة‏,‏ وإذا كنت قلت شيئا غير الحقيقة فأنا مستعد للمساءلة‏,‏ أنا أعلم الناس أن يتكلموا الصح‏,‏ الناس تصدقني‏,‏ لأنني لا يمكن أن أكذب‏..‏ الكذب خطيئة‏!‏
قلت‏:‏ وهل من حق الأجانب أن يتدخلوا في حياة المصريين؟‏!‏
قال‏:‏ إطلاقا‏..‏ ليسوا من الأجانب‏,‏ إنما أولادنا في الخارج وهم مصريون‏.‏
قلت‏:‏ وهم الذين نقلوا الأمر علي أنه اضطهاد ديني‏!‏
قال‏:‏ لا أسأل عنهم‏..‏ في الخارج من يرتكب خطأ يجاز عليه‏,‏ ولا تلفق أي اتهامات ضد بريء‏,‏ ولا يسجن أحد علي أنه قاتل وليس قاتلا‏..‏
قلت‏:‏ لكنهم استغلوا هذا في أوساط سياسية في الغرب ضد مصر‏.‏
قال‏:‏ عارف من المسئول عن ذلك؟‏!‏ الذين أوصلوا الأمر في الكشح إلي هذا الحد‏,‏ لأنهم لم يخمدوا نيرانها فور اشتعالها‏..‏ ذهبت إلي كل المسئولين أولا‏..‏ وبعدها رحت إلي منظمة حقوق الإنسان وهي كتبت تقريرها‏.‏
قلت‏:‏ ألم يكن ذلك تأليبا علي مصر؟
قال‏:‏ مرة جاءني صحفي أجنبي وسألني‏:‏ هل هذا اضطهاد ديني؟‏!..‏ قلت له‏:‏ لا‏..‏ مصر لا تعرف الاضطهاد الديني‏,‏ وقعد يحاول معي لكي أقول له ما يريد‏,‏ في النهاية قلت له لن أتحدث معك‏,‏ ويجب أن تعرف أنه ليس عندي اضطهاد ديني‏,‏ عندي تجاوزات‏,‏ الاضطهاد الديني له أشكال أخري‏.‏
وأكرر مرة أخري‏,‏ بالرغم مما حدث في الكشح أخيرا‏,‏ فليس لدينا اضطهاد ديني‏,‏ أنا عندي فتنة بعيدة عن الناس مسلمين ومسيحيين‏.‏
صمت الأنبا ويصا برهة‏,‏ ثم قال أنا أتشدد في الحق‏.‏
قلت‏:‏ لي ملحوظة أخري‏!‏
قال‏:‏ ما هي؟‏!‏
قلت‏:‏ ما ذكرته عن أن المسيحيين هم الفراعنة أصل مصر؟‏!‏
قال‏:‏ أليس ذلك حقيقة؟‏!..‏ وما الذي يعيب أن أقول إن دمي من الفراعنة؟‏!‏
قلت‏:‏ لأنك تخص جماعة من المصريين بأنهم أصل مصر‏..‏ فماذا يكون الآخرون؟‏!..‏ ألا تعد هذه العبارة تحريضية؟‏!‏
قال‏:‏ قبطي يعني مصري‏,‏ أنت قبطي مسلم وأنا قبطي مسيحي‏,‏ وكنت أقصد أنني مصري حتي النخاع‏,‏ ووطني‏,‏ وهذا بمثابة رد علي من يقولون إن الأقباط يحتمون بكلينتون‏,‏ نحن لا نحتمي بكلينتون ولا بأي أحد‏,‏ نحن مواطنون‏.‏
قلت‏:‏ لكن كلمة كلينتون كانت تتردد علي ألسنة البسطاء في الكشح؟‏!‏
قال‏:‏ الناس الفلاحون في الكشح لا يعرفون كيف ينطقون كلمة كلينتون‏.‏
قلت‏:‏ سمعتها من أهل الكشح أنفسهم؟‏!‏
قال‏:‏ قيلت لهم من مروجي الشائعات أصحاب الفتنة‏.‏
قلت‏:‏ تقصد أنه لم يكن بالكشح مشكلات قبل عام‏1998!‏
قال في حزم‏:‏ إطلاقا‏..‏ إطلاقا‏..‏ إطلاقا‏.‏
سؤال أخير‏:‏ وكيف تعود الحياة إلي مسالكها الطبيعية؟‏!‏
قال الأنبا ويصا‏:‏ أكرر أولا‏..‏ ليس لدينا مسلمون ومسيحيون‏..‏ هذه فتنة‏,‏ وحلها في إظهار الحق‏,‏ حتي ينكشف الجاني الحقيقي ويعاقب‏..‏ نحن علي ثقة في الرئيس مبارك وندرك تماما أنه لا يرضي بالظلم‏,‏ الحق هو جسر التعايش والوئام كما هو الحال دائما‏.‏
‏**‏
وانتهي الحوار‏..‏


© 2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com