حزب «النبي حارسه»!
لماذا لا تحل جماعة الإخوان المسلمين نفسها.. مقابل أن تحل الحكومة «لجنة الأحزاب»؟

Source 
< اتخاذ الدين أساسا للتنافس السياسي في أي بلد وأي زمان يفتح الباب واسعاً أمام الأحزاب والفرق السياسية للمزايدة علي درجة التطرف في الأحكام الفقهية
< الدين روحي الهدف.. بينما السياسية زمانية الغاية.. وكل حزب يقوم علي افتراض أنه يملك الحقيقة الكاملة هو حزب ديكتاتوري
< أفكار الإخوان المسلمين السياسية غامضة وغير محددة.. سواء كانت مرجعيتها زمانية.. أو كانت مرجعية دينية

عمرو علي بركات
في أحدث مسرحيات العبث السياسي تخرج علينا جماعة الإخوان المسلمانية بالإعلان عن تشكيل حزب سياسي، فاطل علينا حملة المباخر، والقماقم، واللحي بدون عمائم، وقد توشحوا بوشاح المسجلين لأخطر لحظات التحول التاريخية، فاحتلوا المنابر الفضائية، والصفحات الرقمية، ليقدموا أول مشاهد المسرحية الهزلية، ففتح الستار علي احتفال ضخم مهيب، اخذ الممثلون فيه جنبات المسرح، وضجت الكواليس بالباقين، وتداخلت أصواتهم، وهم يصيحون بملء حناجرهم، بعبارات غير مفهومة، صاغها بعناية كاتب السيناريو، ويقترب اثنان من الكومبارس بملابس الدهماء، فيهمس احدهما في أذن الآخر، وقد استطلع الريبة فيمن حوله، قائلاً:" فيه إيه؟"فيمط الآخر شفتيه للأمام،رافعاً منكبيه لأعلي، فغاصت جمجمته بين كتفيه قائلاً:"الله أعلم، حزب الإخوان المسلمين!!حزب النبي حارسه".
الإخوان المتحولون
أي مفكر لديهم أملي عليهم هذا التحول؟ الذي من شأنه أن يجلب الدين إلي ميادين الصراعات السياسية، فيخرج عن كونه مصدراً سماوياً للأخلاق القويمة، إلي ميدان التأويل المتقلب تسييساً للآراء، وتحجيجاً للحجج، من اجل التوظيف الرخيص للنصوص المقدسة للسيطرة علي العقول،فيقددونها علي قد أهداف رموز الحزب الدنيوية، في مواجهة أحزاب أخري لا تعتمد علي المقدسات في برنامجها الانتخابي، ومن هنا يأتي الحرج، الذي ليس مصدره النص المقدس، وإنما التأويل المفرط الذي قام به الحزب الديني للنص نفسه «أَفَتَطْمَعُونَ أَن يؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يعْلَمُونَ «سورة البقرة» بينما المقدس نصاً قد أوقفه"عمر بن الخطاب" ولم يتحايل عليه بالتأويل ليبرر قراراته الاقتصادية، أو السياسية ليواجه موقفاً حتمته ظروف المجتمع وقتها، دون أن يكون هناك شبهة البعد عن هدي الله التي يدعيها مؤسسو الحزب الديني كسبب لمشاكلنا، فان كان كما يقولون انه بسبب عدم تطبيق الشريعة حدثت لنا المشاكل ، فان أمير المؤمنين رأي أن إبطال تطبيق الشريعة هو الحل لمشاكل مجتمعه وقتها، وربما كان بسبب رؤيته الخاصة أنها أهم سبب لتلك المشاكل، ليؤسس لحظة تقديس لفكر الإنسان وهو يحل مشاكله، ويتحول النشاط السياسي في الدولة علي امتداد الزمن إلي أحزاب دينية يكون المفاضلة بينها علي أساس درجة التشدد في الأحكام، والتأويلات، ولما كان هذا الإعلان عده أصحابه تحولاً في تاريخهم!! فأي تاريخ تراهم فيه متحولون؟ هل يعني أنهم يعترفون ضمنياً بكونهم حلقة من حلقات التنظيم السري للإخوان الذي تم تصفيته عام 1965م إبان"سيد قطب"،أم عندما تحول إلي "جماعة"علي يد"صالح سرية" والتي كونها عام 1973م بهدف الاستيلاء علي الحكم عن طريق طلبة الكلية الفنية العسكرية؟ــ ملاحظة علي تاريخهم في توظيف الطلبة والزج بهم في السجون مثل طلبة الأزهر ــ أم مرحلة التكفير والهجرة علي يد"شكري مصطفي" والتي سقطت عام 1977م؟ أم مرحلة جماعة الجهاد عام 1988م؟فقد تحول الإخوان من "تنظيم سري" إلي "جماعة سرية"،ثم التحول الحالي إلي من "جماعة محظورة" إلي "حزب سياسي"، وليكن.. فهل للمتحولين أن يعتذروا للشعب كله عن ضحاياهم سواء في السجون أو قتلي انتموا إليهم، أو أبرياء صاحبوا تحولاتهم أولاً قبل أن يعلنوا عن تحولهم التاريخي هذا؟
حل وأنا أحل
لقد سيطرت عليهم فكرة الكيانات البديلة المتوازية، فأرادوا أن يطبقوها علي أنفسهم، فهم لم يعلنوا وضع الجماعة من الحزب؟ هل هو حزب منبثق عن الجماعة؟ أم العكس؟فهم يخططون إلي خلق أحزاب بديلة داخل الكيان السياسي الافتراضي، فهو إعلان القصد منه خلق حالة فوضي سياسية، أكثر منه إعلان عن محاولة جادة لتكوين حزب سياسي، فهم يهدفون إلي دفع الكيانات الأخري لتعلن عن نفسها بعيدا عن شرعية الدولة في صورة أحزاب فتعلن "حركة كفاية" عن حزب كفاية، و"حركة شايفنكوا" عن حزب شايفنكو، و"حركة 9 مارس" عن حزب مارس، ليكون أمامهم الفرصة لخلق برلمان بديل، امتداداً لفكرهم في تكوين اتحاد طلابي بديل، وقضاء بديل، وجيش وشرطة بديلين، وحتي تتحقق مآربهم التي دونها النجاح في تكوين حزب شرعي، فأعلنوا عن حزب معلق علي شرط، وهو حل لجنة الأحزاب،فالمفترض علي الدولة ابتهاجاً ببشائر الحزب الاخواني أن تسارع بحل لجنة الأحزاب، ولكن الطرح القائم في مواجهة ذلك الفكر أن يقوم الإخوان بحل جماعة الإخوان المسلمين، فان حلت الجماعة نفسها، حلت الدولة لجنة أحزابها، عندئذ يكون هذا الحزب نقطة تحول في تاريخهم الدموي.
الإخوان بين الدين والسياسة
تنظير للموضوع فهو العلاقة بين الدين والسياسة، وقد شهدت أدبيات الحياة الدينية والسياسية في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين تناطحاً للعلاقة بين الدين والسياسة، دارت بين "فرح انطون"(1874م ـ1922م) في كتابه"ابن رشد وفلسفته" الذي دعا إلي فصل الدين عن الدولة، من ناحية، وبين "محمد عبده"، و"رشيد رضا"(1865م ـ 1925م) اللذان دافعا بشدة عن عدم فصل الدين عن الدولة في ناحية أخري، فهذا الغموض بين إعلان الجماعة عن تكوين حزب سياسي، وإعلانهم في نفس الإعلان عن عدم رغبتهم في السلطة يعود بالمشكلة إلي سؤال الجماعة عن موقف مرجعيتها من العلاقة بين الدين والسياسة؟ولكنهم عندما قتلوا الأبرياء، وراح بسببهم أبرياء آخرون إلي السجون لم يكونوا يهدفون إلي السلطة!فالدين روحي الهدف، بينما السياسة زمانية الغاية، فهم في حزبهم سيدّعون أنهم يعرفون الحقيقة الكاملة، ويخصون بها أعضاء الحزب فقط،فمن الطبيعي أن تضطهد اي سلطة دينية سياسية من يخالفها،بينما اي سلطة دنيوية مهما ساءت سبلها لا تدعي معرفة الحقيقة الكاملة، كما أنها لا تضطهد احدا بسبب فكره، وان اضطهد في عصر فسيظل علي قيد الحياة لينصف في عصر قادم،فهل يستطيع احد أعضاء الحزب الاخواني أن يقول للمرشد العام:"انك ميت"؟
القافية حكمت
في احد مشاهد العرض المسرحي الهزلي يضطر المخرج إلي اعتماد "ايفيه" من إبداع احد الممثلين الذي يلعب دور عضو بارز، بسبب اندماجه أثناء البروفات، فيقرر أن يضيف علي لسانه" انه سيفتح باب الحزب لعضوية الإخوة المسيحيين!" فضجت الصالة بضحكات المشاهدين،إن الإشارة لمثل هذا الفتح يعد من قبيل المن الذي أحكمته القافية، فهو تصريح مقلق للراحة من التفرقة المنتظرة، التي تسمح بعضوية اي عضو مهما كان انتماؤه الديني، فان كانت قبلت المسيحي رغم انه مغاير لدين الجماعة، فلها أن ترفض عضوية مسلم وان كان متفقا مع دين الجماعة بسبب توجهاته الفكرية، فالأصل في المجتمع المساوة دون اي إشارة إلي تفرقة "اثنية" عرقية، فهي التي فتحت نيران الحرب الأهلية في إقليم "كوسوفو" حيث ادعي المسلمون علي المسيحيين في بعض المناطق أنهم أقلية، والعكس،ففشلت الانتخابات النيابية في إحداث الوفاق داخل المجتمع، ولم يحصلوا حتي الآن علي الحكم الذاتي، وإنما حصلوا علي احتلال الناتو للإقليم كله، فأي تفرقة عرقية داخل المجتمعات يترتب عليها تعطيل التحرك الديموقراطي المنشود.
الحقيقة الغائبة
إن الحقيقة التي يجب أن يدركها مشاهدو العرض المسرحي الاخواني أنها حركة، أو تيار، أو جماعة سياسية في الأصل، تهدف إلي السلطة، وأنها تتخذ من الدين ستاراً لممارساتها،ولكنها لا تعترف بذلك وإنما قلبت الآية، وادعت أنها في الأصل حركة دينية أصبح لها أهداف سياسية، ولكنها لا تهدف إلي السلطة،فأصبح كل رجال الإخوان يتكلمون كما تكلم"بروتس" بعد أن قتل "القيصر"، ليشعل الفتنة، في مسرحية "شكسبير" ، إنهم يعلنون تكوين حزب سياسي، ولكنهم لا يهدفون السلطة، سيعلنون برنامج الحزب، ولكن لن يعرضوه علي لجنة الأحزاب، لأنهم لا يعترفون بها، وإذا ناقشتهم في قضية واقعية، مثل التطبيع مع إسرائيل وموقفهم من اتفاقية السلام، أجابوا إجابات تنم عن عدم وعي سياسي، إن كانوا يدعون أنهم سياسيين، وعن عدم وعي ديني إن ادعوا أن مرجعيتهم القرآن والسنة، فعدم الوعي السياسي، هو انه بموقفه المضاد للاتفاقية وطلب إعادة النظر فيها حتي إلغائها، يعد كمن كره النساء فخصي نفسه، فقد صادروا علي اي تأيد خارجي منتظر، إن كانوا يدركون قيمة الدعم الخارجي، بل أصبحوا في موقع الرصد من الغرب، لما لهم من نوايا تهدم المصالح المشتركة للدول، وان كانوا يدعون في موقفهم من المعاهدة والتطبيع مع إسرائيل من خلال مرجعية دينية مصدرها القرآن، فان القرآن اختص مصر بآية صريحة ومباشرة للتطبيع مع اسرائيل منذ خمسة عشر قرناً، ليؤرخ لاتفاقية سابقة علي القرآن بآلاف السنيين {وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسَي لَن نَّصْبِرَ عَلَي طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَي بِالَّذِي هُوَ خَيرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ } (61) سورة البقرة، اهبطوا مصر، أليست آية تحمل توجيهاً سماوياً للتطبيع مع شعب إسرائيل؟ الم يعقد سيدنا محمد (صلي الله عليه وسلم) المعاهدات مع اليهود، وحتي مع المشركين؟ إن إعلانهم أنهم لا يهدفون إلي السلطة بهذا الحزب يفتح الباب لتخمين أهداف الحزب المجهولة، فاي حزب يقرأ فيه أعضاء لجنته التأسيسية "الفاتحة" علي الوصول إلي حكم البلاد، فان لم يكن حكم مصر هدف الإخوان، فعلي اي شيء قرأوا "الفاتحة"؟


© 2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com