Print

 

"اليوم السابع"ينشر نص تقرير لجنة تقصى الحقائق لبعثة المركز المصرى للسياسات حول أربعاء التعدى على الكنائس بعد فض اعتصامى ميدانى رابعة والنهضة..الخسائر بالملايين..والدولة تقاعست

 حرق الكنائس

كتب محمد عبد الرازق

فى صباح يوم الأربعاء الموافق 14 أغسطس الماضى، كان اليوم الذى انتظره أغلب المصريين سواء بخوف أو بأمنيات، لم يكن يعلم أحد بشكل قاطع كيف سيكون حال البلاد بعد فض اعتصامى ميدانى رابعة والنهضة، توجهت جل كاميرات الإعلام إلى هذين الميدانين وقاموا بتغطية وتحليل المشهد وتوصيف الحال والتنبؤ بالمستقبل.

وفى الوقت الذى كان أغلب المصريين يشاهدون شاشات التليفزيون لصور محيط ميدان رابعة والنهضة بمشاعر متخبطة، كانت ميكروفونات المساجد والجمعيات الشرعية فى صعيد مصر يعلو صوتها خارقًا صمت القرى بنداءات طائفية تدعو إلى الدفاع عن الإسلام والانتقام للمسلمين من مسيحيى مصر.

ونتيجة لهذه الدعوات كانت أكبر هجمة على مسيحى مصر فى التاريخ المصرى المعاصر، فدمرت وسرقت وحرقت الكنائس، والمنازل والسيارات والدراجات البخارية والمحال التجارية والأكشاك والجمعيات الأهلية والمراكب السياحية، بل وذاد على ذلك قتل وتنكيل بعدد من المواطنين المسيحيين فى صعيد مصر.

وتوالت موجات العنف – كما ذكر أحد المتضررين فى مدينة المنيا- على دور عبادة ومنازل المواطنين المسيحيين، فما كان من المواطنين- كأى مواطن داخل الدولة المصرية- إلا الاستنجاد بالدولة –التى وجدت بالأصل لتضمن للمواطنين حماية أرواحهم وممتلكاتهم- وما كان من الدولة –ممثلة فى جهاز الشرطة- إلا عدم الالتفات أو الإعتذار أو مطالبة المواطنين بحماية أنفسهم، وللحق كان ذلك تارة بسبب تعرض الشرطة فى نفس الوقت للتعدى من قبل مجموعات تيار الإسلام السياسى، وتارة أخرى بسبب تقاعس وإهمال الدولة عن تأدية الواجب المنوط بها القيام به.

وبعد فض الاعتصامين، مرت أسابيع على أقباط صعيد الدولة المصرية، فى انتظار من يلتفت إليهم، ومن يوفر لهم أى مساحة من الأمان، وأن يؤتى لكل مظلوم بحقه.

ولكن بعثة المركز المصرى لدراسات السياسات العامة قامت بحصر تلك التعديات منذ بدئها وانتهت من عملها يوم الجمعة 13 سبتمبر وكان أغلب من التقيناهم من المتضررين خائفون حتى من أن يذكروا أسماءهم وأن يقوموا بعرض ما تعرضوا له من أضرار، فالجميع معرض للقتل والتشريد وفى أبسط الحالات خسارة جل ما يمتلك.

يهدف تقرير بعثة تقصى الحقائق إلى توثيق وحصر حالات الإعتداء على دور عبادة وممتلكات المواطنين المسيحين فى مصر، ووضع هذا الحصر أمام الحكومة المصرية والرأى العام وصانعى القرار والمجموعات المؤثرة فى صناعة القرار، آملين أن تقوم الدولة بدورها فى حماية الأرواح والممتلكات، وأن تضمن آلا يفلت أى مرتكبى هذه الجرائم من المسألة القانونية كما هو الحال فى أغلب الجرائم الطائفية التى يتعرض لها مسيحو هذا الوطن وينقسم إلى قسمين وهما.

القسم الأول: يبدأ بعرض حصر للكنائس التى تم الإعتداء عليها مع توصيف لكيفية الأعتداء من شهود ومتضررين من الإعتداء بشكل مباشر، يلى ذلك عرض للجمعيات الأهلية التى تم الاعتداء عليها، ثم بعدها نعرض للممتلكات الدولة التى هوجمت من عناصر تيار الإسلام السياسي، وينتهى الجزء الأول من التقرير بعرض حصر للممتلكات الفردية التى تم الاعتداء عليها وتدميرها.


القسم الأول: عرض لحالات الاعتداء على الكنائس والجمعيات الأهلية وممتلكات الدولة والممتلكات الفردية.

وفى الفيوم: قال الكاهن كرلوس، راعى دير الأمير تادروس وكنيستى العذراء القديمة والجديدة بالنزلة أبشواى الفيوم، إنه فى حوالى السابعة والربع صباحاً من يوم الأربعاء 14 أغسطس قامت إذاعة المسجد المجاور لمنزله ببث خطابات تحريضية لحشد التجمعات ذكر منها "أخواتكم فى رابعة بيموتوا قوموا عشان نطلع على رابعة لنصرة الإسلام "، وبالفعل فى حوالى التاسعة والربع شاهد جمعا كبيرا من مطلقى اللحى والمنتقبات حاولوا اقتحام منزله وقذفه بالحجارة إلا أن بعض الجيران تصدوا لهم.

إلا أنهم اتجهوا لكنيسة العذراء الأثرية فى حوالى التاسعة والنصف وقاموا باقتحامها وأوقعوا بها الضرر الجسيم، وحرقوها بالكامل مستخدمين البنزين والمولتوف وأنابيب الغاز لتدمير المبانى وهى الكنيسة التى يرجع تاريخها إلى 1900 ميلادى، ومن ثم اتجهوا لدير الأمير تادروس والذى يرجع تاريخة إلى القرن 12 ميلادى، واعتدوا على الحراسة، وتركوهم يغادرون وهو ما أسفر عن جرح برأس أحد أبناء غفير الكنيسة، وقاموا بسرقة محتويات الدير وإحراقه بالكامل، ومن ثم اتجهوا لكنيسة العذراء الجديدة، وأحدثوا بها الأضرار ذاتها.

وفى ظل كل تلك الأحداث حاول الاتصال بالشرطة لكنه لم يستطع ذلك نتيجة للهجوم الذى حدث على مركز شرطة أبشواى، وكذلك الحال بالنسبة لقوات المطافى، التى لم تستطع الوصول نتيجة لقطع الجماعات المعتدية للطرق وظل الحريق مشتعلاً حتى اليوم التالى، إلى أن قاموا بإطفائه ذاتياً، وقاموا بتحرير محضر بتاريخ 15 أغسطس الماضى.

وفيما يخص كنيسة القديسة دميانة والكنيسة الإنجيلية المجاورة لها بالزربى طامية الفيوم، قال أحد الشهود من رواد كنيسة القديسة دميانة والذى يقطن فى منزل مجاور لها، أنه فى يوم الأربعاء 14 أغسطس الماضى وعقب علمهم بفض اعتصامى رابعة والنهضة قاموا بإلغاء الصلاة المحددة لهم فى هذا اليوم تحسباً لما يمكن أن يحدث، وعقب سماعهم للنداءات التحريضية "قوموا لنصرة أخواتكم ولنصرة الإسلام" المنطلقة من مسجد التوحيد القريب منهم، وهو ما أعقبه عدد من المسيرات والتجمعات والتى انتهت عند باب الكنيسة ومن ثم اقتحموها وقاموا بسرقتها، ثم إشعال النيران بها، وأتم الشاهد كلامه بأنه عقب سماعه للنداءات التحريضية فى حوالى الساعة الثامنة صباحاً، وقبل اقتحام الكنيسة حاول الاتصال بالشرطة، لكنهم لم يستطيعوا مساعدته لتزامن ذلك مع الاعتداء على مركز شرطة طامية وكذلك اتصلوا بالأرقام الخاصة بالقوات المسلحة، ولكن لم تحدث استجابة لهم إيضاً، وقاموا بتحرير محضر يوم السبت17 أغسطس، وقام البحث الجنائى بالمعاينة فى بداية الأسبوع التالى ومن ثم الوحدة المحلية بعد ذلك.

وفى أبشواى بالفيوم: قال عماد جرجس، أحد العاملين بكنيسة الأمير تادروس ديسيا أبشواى الفيوم، إنه فى يوم الأربعاء 14 أغسطس، قام فردان على دراجة نارية يحملان سلاحاً آلياً بتهديد حارس الكنيسة ونصحه بعدم التواجد فى اليوم التالى، لأنهم سيقومون بتدمير الكنيسة، وفى يوم الخميس قامت مجموعات بمحاولة اقتحام الكنيسة وإلقاء زجاجات المولتوف حتى نفدت منهم، مخلفة أضراراً طفيفة، ثم أعادوا الهجوم فى اليوم التالى، وكان هذا الاقتحام من السور الخلفى للكنيسة والتى تحيط بها الزراعات من جميع الجوانب، وهو السور الذى يكاد يكون غير متواجد، معرباً عماد عن أنهم حاولوا بناء هذا السور أكثر من مرة لكن طلبهم كان يقابل بالرفض من جانب الحكومة، حتى أثناء ثورة 25 يناير كان الجميع يقوم بالبناء على الأراضى الزراعية حولهم ولم يعترضهم أحد على عكس ما حدث مع الكنيسة فى نفس الوقت ومنعوهم من البناء.

وأضاف عماد بأنه كان متواجداً بالكنيسة فى يوم الاقتحام الثانى، وهو يوم الجمعة حيث قامت مجموعات بإغلاق الطريق المواجة للكنيسة من الاتجاهين وقطعوا خط المياه الرئيسى لها، وقاموا بالدخول إلى الكنيسة وأمسكوا به، وألقوه فى سيارة ميكروباص تابعة لأحد مطلقى اللحية حتى إتمامهم عملية الحرق، وكان بجانبة ثلاثة أفراد بأسلحة آلية فى سيارة تحمل أرقام البحر الأحمر، معرباً عن عدم تمكن قوات الأمن من مساعدتهم رغم تحريرهم لمحضر الواقعة منذ الاعتداء الذى تم فى اليوم الأول.

وفى أسيوط: فى كنيسة نهضة القداسة وكنيسة مارجرحس بأسيوط، قاموا بالتصدى للهجوم ذاتياً وكذلك إطفاء الحرائق الناشبة عنه، والتى خلفت بعض الأضرار فى الكنيستين فى يوم 14 أغسطس وسرقة العديد من أغراضهم، حيث قال القس بهنام بكنيسة مارجرجس إنهم حاولوا الاتصال بالشرطة، والمطافئ، أثناء التعدى عليهم ولكن لم يستجب لهم أحد بالحضور، وهو ما أكده لنا أحد الشهود من رواد كنيسة نهضة القداسة معرباً عن أن أول ظهور لقوات الشرطة كان أثناء معاينة المكان فى أعقاب تحريرهم لمحضر يوم15 أغسطس وتلا ذلك معاينة النيابة ومن ثم لجنة مهندسين من القوات المسلحة.

وفى المنيا: قال أحد الشهود من رواد الكنيسة الإنجيلية ببنى مزار المنيا، أنه فى يوم الأربعاء فى حوالى الثانية عشرة والنصف ظهراً قامت مجموعات مكونة من 120 فرداً تقريباً كان يتقدمهم 3 أفراد مطلقين اللحى، وقاموا بقذف زجاجات المولتوف على الكنيسة ثم قاموا باقتحام الكنيسة ليحرقوها بالكامل، ليتابع أحد العاملين بمبنى الخدمات التابع للكنيسة أنهم قاموا بإبلاغ الشرطة والمطافئ ولكن أحداً لم يحضر منهم، فقاموا بتحرير محضر فى يوم20 أغسطس، وقامت مجموعة من البحث الجنائى بالمعاينة ومن ثم النيابة العامة فى 9 سبتمبر الماضى.

وفى قرية دلجا بالمنيا: قال الكاهن إبرام، راعى دير الأنبا إبرام وكنيسة العذراء مريم الأثرية وكنيسة مارجرجس بقرية دلجا المنيا، إن عدد السكان القرية 150 ألف مواطن بينهم 21 ألف قبطى، متابعاً أنه فى يوم الأربعاء 14 أغسطس حوالى السابعة صباحاً بدأ الصياح من منابر المساجد، "الأقباط والشرطة يقتلون المسلمين فى رابعة"، وقال إن تلك النداءات استمر الترويج لها من خلال السيارات والتكاتك التى تجوب القرية، فبدأت التجمعات وقاموا بالهجوم على منازل الأقباط بالقرية وسرقتها ثم حرقها، وهو ما أسفر عن تدمير 27 منزلاً قبطياً كان يقطن بهم 64 أسرة، وكذلك بالنسبة للدير والكنيستين والتى استمرت عمليات السرقة بها لعشرة أيام وما ينتهون من سرقته يقومون بإحراقه وهو ما أسفر عن تدميرهم بالكامل وهى من الكنائس الأثرية فكنيسة العذراء مريم تم إنشاؤها مما يقرب من 1600 عام ميلادى وكنيسة مارجرجس منذ 120 عاما ميلاديا أما دير الأنبا إبرام فمنذ ما يقرب من 70 عاما.

وتابع عادل سكرتير الأب إبرام قائلاً إنه أثناء عمليات التعدى على منازل الأقباط بالقرية قام المدعو "إسكندر طوس" بإطلاق طلقة واحدة فى الهواء فى محاولة منه للدفاع عن منزله فقامت المجموعات المعتدية بذبحه وسحله وترك جثمانه فى الشارع لعشرة أيام تقريباً مانعين أى أحد من الاقتراب منه، أو حتى دفنه، كما تم قتل المدعو"هانى شفيق ذاخر" من خلال إصابة بطلق نارى أثناء تواجده بالغيط التابع له.

وذكر أيضًا أن الأمن لم يدخل القرية منذ تلك الأحداث ولم يقم بأى دور خلالها، خاصة فى أعقاب حريق قسم شرطة دلجا والكمين الغربى بالقرية وكذلك المجلس المحلى وشركة المياه ومحكمة دلجا فى نفس اليوم المذكور، وفى التوقيت ذاته، الذى تم الاعتداء فيه على الأقباط، وتم هذا الحوار مع الكنيسة وأهالى دلجا يوم 7/9/2013.

وفى ملوى بالمنيا: قال إسحق صادق شنودة، حارس الكنيسة الإنجيلية بملوى المنيا، إنه فى يوم الجمعة 16 أغسطس فى الساعة الخامسة والنصف مساء قامت مجموعات كبيرة بمحاصرة الكنيسة ثم اقتحموها عن طريق تكسير الأبواب، فقام بالتخفى خلف أحد الأعمدة بالدور الأخير لمبنى الخدمات الملحق بالكنيسة لما يقارب الثلاث ساعات، قام خلالها المعتدون بسرقة محتويات الكنيسة ثم حرقها مما أسفر عن تدميرها بالكامل، متابعاً إنه قام بالاتصال بالشرطة قبل الاقتحام ولكن لم يأت أحد وظلت النيران مشتعلة، حتى صباح اليوم التالى. وهو نفس ما حدث بكنيسة العائلة المقدسة للأقباط الكاثوليك ومدرسة الراعى الصالح التابعة لها بملوى المنيا، وقال الأب ملاك التابع للكنيسة، إنه كان متواجداً أثناء اقتحام تلك المجموعات المسلحة للكنيسة فى يوم الجمعة، لكنه تمكن من الهروب من الباب الخلفى، هو والأب إبرايم وتخفوا فى محل مقابل للكنيسة لأكثر من ساعتين، ولم يكن لقوات الشرطة أى تواجد فى هذا الوقت، وتمكن المعتدون من سرقة جزء كبير من محتويات الكنيسة وإشعال الحريق بها مما خلف أضراراً طفيفة وقاموا بإطفائها ذاتياً 2013.

أما فى محافظة سوهاج: فقال الدكتور إليا، سكرتير مطرانية وكنيسة مارجرجس بمحافظة سوهاج، إن اقتحام المطرانية بدأ فى حوالى الساعة الثامنة والنصف صباحاً يوم الأربعاء، وحاولت الشرطة والمطافئ التدخل فى حوالى الساعة العاشرة والنصف صباحاً، لكن قابلتهم المجموعات المعتدية بإطلاق النيران عليهم فتراجعوا، وقاموا بسرقة سيارة مطافئ ومن ثم قاموا بإغلاق الطرق المؤدية للمطرانية بأتوبيسات قديمة تابعة للكنيسة، وسرقوا العديد من ممتلكات الكنيسة وأشعلوا النيران فيما تمكنوا منه، وقاموا بتحرير محضر بذلك وقامت الشرطة والنيابة بالمعاينة بعدها بثلاثة أيام، كما قامت لجنة هندسية تابعة للقوات المسلحة بمعاينة الأضرار لكنهم قالوا إن جميع ما بالمطرانية أضرار فى الديكورات والكماليات وهم ملتزمون فقط بالإنشاءات ولن يقوموا بتعويض ما دون ذلك.