Print

عندما يصبح أصل مصر عارها!

بقلم منير بشاى

       اصبح الوجود القبطى فى مصر بالنسبة لبعض المتعصبين بلوى يتمنون لو انزاحت، أصبح العدد الكبير من المسيحيين فى مصر عارا يخجلون من الاعتراف به.  ليس من عجب ان حكومات مصر المتعاقبة كانت ترفض التصريح بعدد الاقباط وتعتبره سرا امنيا لا يعرفه غير رئيس الجهاز المركزى للإحصاء ورئيس الدولة.  ومع ذلك كانت الدولة تسرب من وقت لآخر الشائعات الكاذبة لعدد الأقباط باقل من ربع عددهم الصحيح.  وهم يريدون بذلك الحط من الوجود القبطى وبث رسالة ان أقباط مصر قلة لا يعتد بها.

       واذا قلنا انه بما ان الاقباط بهذه القلة اذا، فطبقا للقانون الدولى، يجب اعتبارهم أقلية عددية يلزم حمايتها، يأتى الرد بأن الاقباط جزء من الغالبية ولا ينطبق عليهم توصيف الأقلية.  ومع ذلك فعند اقرار الحقوق لا يتساوى الاقباط مع الغالبية فى شىء.

       عندما كان انور السادات السكرتير العام للمؤتمر الاسلامى كانت مشكلته مواجهة اعضاء الدول الاسلامية الأخرى بحقيقة ان مصر تتضمن وجود عدد من الأقباط المسيحيين يصل الى حوالى 20% من سكانها.  كيف يحدث هذا فى مصر الدولة الاسلامية الكبرى التى تعتبر نفسها القائد والراعي لكل الدول الاسلامية؟  ولذلك وحتى يخفف من وقع هذه الصدمة اصدر السادات وعدا يقول انه لن تمر عشر سنوات الا ويصبح مسيحيو مصر ماسحى احذية، فى اشارة الى محاولة افقار الاقباط فى مصر ليصبحوا طبقة من الخدم والعبيد.

       ومع ان الحصار الاقتصادى قد اثر على بعض الأقباط ولكنه لم يحولهم الى ماسحى احذية.  هذا بينما، عندما ضيقوا امامهم سبل الترقى للوظائف الكبرى، اضطر عدد منهم الى ترك الوظيفة الحكومية ولجأوا للعمل الحر.  وكانت النتيجة انهم ازدادوا نجاحا ادبيا وماديا حتى قيل ان الاقباط يتحكمون الآن فى  40% من ثروة مصر.

       اما البعض الآخر الذين اضطروا لمغادرة مصر فقد نجحوا حيثما ذهبوا واعتلوا أعلى السلم الوظيفى.  وعاش الكثيرون منهم فى المجتمع الأمريكى على أعلى المستويات وبنوا أجمل الكنائس وادخلوا ابنائهم افضل الكليات واصبحوا ثانى اكثر الاقليات نجاحا رغم حداثة هجرتهم.  و لم ينسى الاقباط اخوتهم فى مصر ولعل السير مجدى يعقوب خير مثال للقبطى الذى ظل يحتفظ بحبه واخلاصه لمصر ولشعبها رغم خروجه منها مضطهدا.

       ومن سخريات القدر ان السادات يقتل على يد نفس الفصيل الذى كان يعول علي دعمه بعد تدنى شعبيته بالمقارنة بشعبية ناصر.  ولكن ارتداء السادات عباءة "الرئيس المؤمن" لم يوقف هؤلاء من سفك دمه بعد توقيعه معاهدة كامب دافيد للصلح مع اسرائيل.  اللهم لا شماتة!  ولكن هى الحقيقة ان الانسان يحصد ما يزرعه.  فمن يزرع الشوك يجنى الجراح، ومن يربى الثعبان فى بيته لا يلوم غير نفسه اذا لدغ منه.

       يعتبر المتعصبون ان استمرار وجود الاقباط فى مصر بلوى حاولوا القضاء عليها طوال العصور الاسلامية ولم يفلحوا.  وبعد فشلهم فى اسلمة الاقباط جميعا او قتلهم كلهم وصلوا اخيرا الى القناعة انهم ان كانوا لا يستطيعوا التخلص منهم فعلى الاقل يجب ان يضطروهم الى ان يخبئوا وجودهم فى مصر عملا بالمبدأ "اذا بليتم فاستتروا".  هذا المبدأ وهو تغطية الهوية القبطية فى مصر يظهر جليا فى التعامل مع قضيتين حساستين.  الأولى بناء الكنائس فى مصر.  والثانية اختيار المشاركين فى الأعمال التى تتضمن ظهورا وشهرة غير عادية.

       يتساءل البعض فى حيرة ما هى مشكلة الاسلاميين فى مصر مع الكنائس؟  لماذا هذا التوجس من أماكن يذكر فيها اسم الله كثيرا، وترفع الصلوات لله ليبارك الرؤساء ويحفظ مصر ونيلها وزرعها.  لماذا يخشون المكان الذى يعظ الناس ان يحبوا اعدائهم ويباركوا لاعنيهم ويحسنوا لمبغضيهم، المكان الذى يعلّم الناس الامانة والصدق، والذى يحثهم على دفع ما يستحق عليهم من ضرائب للدولة وطاعة القانون ويكونوا مواطنين صالحين بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.

       واضح ان السبب الحقيقى فى كراهية الكنائس هو انها رمز دينى يعبّر عن الوجود المسيحى بما فيه شكل الكنيسة المميز ومنظر الصليب المرفوع فوقها.  ومن اجل هذا يصر احد الشروط العشرة التى اصدرها العزبى باشا سنة 1934ان الكنائس لا تبنى فى مواجهة شرائط السكك الحديدية حتى لا تعطى الانطباع لركاب القطارات ان غالبية سكان المدينة من المسيحيين.  ومن اجل هذا عمل وصف دقيق لتفاصيل الكنيسة فى مشروع قانون بناء (او عدم بناء) الكنائس الجديد، ولكنهم نسيوا ذكر الصليب – وأشك ان تكون هذه سهوة بريئة!

       اما بالنسبة لتواجد الاقباط فى الوظائف ذات الشهرة فهو يولد حساسية شديدة ومعها الرفض خاصة اذا كانوا يحملون اسماء مسيحية صارخة.  وقد سمعنا عن ان طفلين قبطيين لم يسمحا لهما بدخول الاختبار النهائى الخاص بالتأهيل للفريق الناشىء فى النادى الاهلى رغم تفوقهما.  وقيل ان السبب هو اسميهما، فاحدهما اسمه مينا والأخر بيير.  اسماء مثل هذه لا تساعد اللاعب على الوصول لمركز النجومية فى مصر حيث يصبح اسمه على كل لسان! لو كانت لهم اسماء مشتركة مثل  امير او كريم فربما كانت لهم فرصة افضل.  وقد يكون هذا ما قصدته مسودة دستور الاخوان انه من حقوق الطفل "ان يكون له اسما مناسبا".  ولا ادرى ما هو توصيف ذلك الاسم "المناسب" وان كانت الكلمة تثير الكثير من التوجس.

       من المخجل حقا ان تعامل مصر أقباطها على انهم عار.  العار هو ان يتم تعريف طفلين بريئين دون الثانية عشر من العمر ان بلدهما لا يعطيهما حق اللعب فى مباراة للكرة لمجرد انهما يحملان اسم "مينا" و "بيير".  العار هو ان تتنكر مصر لأصلها.  والعار هو ان تتحكم في اقدار مصر عقول لا ترى فى هذا عيبا.

This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.